للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَجَازَ فَلَمْ نُعْطِ وَلَدَ الْوَلَدِ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ هُنَا عَلَى إرَادَةِ التَّجَوُّزِ، وَمُجَرَّدُ لَفْظِ الْجَمْعِ هُنَا لَا أَثَرَ لَهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْلَادِ فِي هَذَا الْبَابِ الْجِهَةُ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ فَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوَّلًا لَمْ يُوجَدْ وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِ: أَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي جِهَةِ الْفُرُوعِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، فَأَدَرْنَا الْأَمْرَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِيهِ وَأَلْغَيْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْعُرْفِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهَا كَالنَّاسِخَةِ لَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَبِهِ يَجْتَمِعُ أَطْرَافُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَأَطْرَافُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي رِعَايَةِ الْجَمْعِ تَارَةً وَعَدَمِ رِعَايَتِهِ أُخْرَى، وَخُذْ مِنْ ذَلِكَ اتِّضَاحَ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ لِلْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي مَرَّ بَيَانُهَا.

، الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّا سَبَرْنَا كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي فَتَاوِيهِمْ وَمُصَنَّفَاتِهِمْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَوْقَاتِ، فَلَمْ نَرَهُمْ قَطُّ بَحَثُوا عَنْ عَلَاقَةِ الْمَجَازِ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا وَلَا عَوَّلُوا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ تَجَوُّزٌ بَحَثُوا عَنْ قَرِينَةٍ، فَإِنْ وَجَدُوا لَهُ قَرِينَةً دَلَّ عَلَيْهَا كَلَامُ الْوَاقِفِ أَوْ غَرَضُهُ أَوْ حَالُهُ عَوَّلُوا عَلَيْهَا وَعَمِلُوا بِالْمَجَازِ لِأَجْلِهَا، سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ عَلَاقَةٌ لِذَلِكَ الْمَجَازِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَهُ قَرِينَةً أَعْرَضُوا عَنْ الْعَمَلِ بِهِ، هَذَا مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ النَّظَرِ فِيهِ وَالتَّأَمُّلِ لِمَدَارِكِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُمْ ظَاهِرُ الْمَعْنَى جَلِيُّ الْمَغْزَى، فَإِنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا إنَّمَا يُنَزَّلُ عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْعَلَاقَةُ لَا شُغْلَ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهَا إنَّمَا يَلِيقُ بِكَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْبَلَاغَةِ، وَأَمَّا كَلَامُ الْوَاقِفِينَ فَلَا يَرْتَبِطُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الَّذِي يَرْتَبِطُ بِهِ هُوَ الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّجَوُّزِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته وَحَاصِلُ عِبَارَةِ فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الذُّكُورِ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِلْمُضَافِ فِي قَوْلِهِ ذُكُورِ أَوْلَادِهِمْ، أَمْ لَا يَسْتَحِقُّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْلَادِ؟ وَلَا يُقَالُ: الْإِبْدَالُ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ بَدَلِ الْبَعْضِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ بَدَلَ الْبَعْضِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْدَلِ لِأَنَّهُ هُنَا مُقَدَّرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ} [آل عمران: ٩٧] أَيْ ذُكُورِ أَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ، وَابْنُ الْبِنْتِ مِنْ ذُكُورِ الْأَوْلَادِ لَا مِنْ ذُكُورِ أَوْلَادِ الذُّكُورِ، وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى التَّأْسِيسِ خَيْرٌ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّأْكِيدِ فَمَنْ هُوَ الْمُصِيبُ مِنْ هَذَيْنِ

فَأَجَابَ: لَا يَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْبَدَلِ مِنْ ضَمِيرِ الْغَائِبِ وَلَا إلَى بَدَلِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مِنْ الْمُقِرِّينَ وَالْمُنْشِئِينَ لِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إعْتَاقٍ تُحْمَلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْوَاقِفَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا دَقَائِقِهَا وَلَا الْبَدَلِ وَلَا الْمُبْدَلِ، فَتَنْزِيلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُهُ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَوْ لَحَنَ فِي الْإِعْتَاقِ بِتَذْكِيرٍ أَوْ تَأْنِيثٍ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْإِعْتَاقِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى لَفْظِهِ الَّذِي لَهُ مُحْتَمَلَاتٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَاتِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ إرَادَةُ ذَلِكَ.

قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الْبَدَلِ لَنَا عَلَيْهَا عَمَلٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْفَتْوَى وَوَجْهُ تَأْيِيدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالْقَرِينَةُ الْمُتَعَدِّدَةُ كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي وَكَلَامُهُ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ فِي فَهْمِ شَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِقَرِينَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَهْمِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَضِيَّةِ أَوْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا فَهُوَ فَاهِمٌ لِلَفْظِهِ مُعْتَقِدٌ بِهِ مَدْلُولَهُ الَّذِي عِنْدَهُمْ، لَكِنْ خَفَّفَ الشَّارِعُ عَنْهُ بِإِلْغَاءِ الطَّلَاقِ الَّذِي كَانُوا يَتَعَارَفُونَهُ وَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ، فَهُوَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِغَيْرِ مَا يَفْهَمُهُ مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ سُومِحَ فِي مُقْتَضَى اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ عَقِيدَتِهِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ. وَلَكِنَّا نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ حَمْلِ الْعُتَقَاءِ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ شَرْعًا سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>