الْوَاقِفَ فَهِمَ ذَلِكَ وَقَصَدَهُ أَمْ لَا، وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْحُجَّةِ لَنَا عَلَى مَا فَهِمْنَا مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ وَعَمِلْنَا بِهِ لِوُجُودِ عَاضِدِهِ وَقَرِينَتِهِ بِاسْتِحْقَاقِ مَنْ ذُكِرَ أَوْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، ثُمَّ بَيَّنَّ خَارِجَ هَذَا الْجَوَابِ كَلَامَهُ الَّذِي دَلَّ عَلَى الْبَدَلِ: بِأَنَّ بَدَلَ الظَّاهِرِ مِنْ الضَّمِيرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ الْمُخَاطَبِ، فَأَمَّا ضَمِيرُ الْغَائِبِ فَلَا يَمْتَنِعُ الْبَدَلُ مِنْهُ اتِّفَاقًا فَمَا أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ أَيْ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَتْوَى مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْبَدَلِ لَمْ يُقَرِّرْ مُدَّعِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا تُعْتَمَدُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مِنْ الْمُقِرِّينَ أَوْ الْمُنْشَئِينَ لِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إعْتَاقٍ تُحْمَلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا تُعْتَمَدُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا يُنَزَّلُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ، لَا عَلَى دَقَائِقِ الْبَلَاغَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ الْعَلَاقَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ الْوَاقِفِينَ وَتَأَمَّلْ وُضُوحَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ: لِرَجُلٍ زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوَلِامْرَأَةٍ زَنَيْتَ بِفَتْحِهَا كَانَ ذَلِكَ قَذْفًا وَكَذَا فِي الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ، وَلَا أَثَرَ لِلَّحْنِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِذَا أَلْغَوْا النَّظَرَ إلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ عَمَلًا بِالْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْوَاقِفِ أَوْلَادَ الْعُتَقَاءِ وَأَنَّ لَهُمْ نَصِيبَ آبَائِهِمْ لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ فِي أَنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِوَقْفِهِ رِفْقَ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ، وَأَنَّ لَهُمْ اسْتِحْقَاقًا فِي وَقْفِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ اتَّضَحَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ لِهَذَا الْمَجَازِ عَلَاقَةٌ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَاللَّاحِنِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ اللَّحْنَ وَنَحْوَهُ لَا يُؤَثِّرُ.
وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا فِيمَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَظَائِفِ مَدْرَسَتِهِ عَجَمِيٌّ ثُمَّ نَزَلَ فِيهَا عَتِيقُهُ الرُّومِيُّ، فَهَلْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ عَزْلُهُ؟ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الطَّائِفَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ التُّرْكِ وَالرُّومِ الَّذِينَ لُغَتُهُمْ غَيْرُ لُغَةِ الْعَجَمِ، فَتَأَمَّلْ تَحْكِيمَهُ الْعُرْفَ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ مَدْلُولِ الْعَجَمِ لُغَةً وَشَرْعًا، تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِيمَا ذَكَرْته أَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا تُحْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ مِنْ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ تَعْتَرِيهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ، الْأَمْرُ الرَّابِعُ: أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي وَاقِفَةٍ جَعَلَتْ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، بِأَنَّ أَوْلَادَ أَوْلَادِهَا يَدْخُلُونَ فِي قَوْلِهَا مِنْ أَوْلَادِهَا، وَبِأَنَّ الْمُوَثِّقَ سَهَا فَأَسْقَطَ مَرْتَبَةً وَهِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَرَائِنَ ثُمَّ قَالَ: وَمَعَ السَّهْوِ الَّذِي نَسِينَاهُ لِلْمُوَثِّقِ وَأَيَّدْنَاهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهَا فِي قَوْلِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدُ مِنْ أَوْلَادِهَا وَتَكُونُ الْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ قَاضِيَةً بِإِدْخَالِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْأَوْلَادِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَهُ بِإِدْخَالِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ لِلْقَرَائِنِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلَ الْبُلْقِينِيُّ لِلْقَرَائِنِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ قَرِينَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ، لَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِقَرِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اكْتَفَى هُوَ بِالْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابٍ لَهُ: وَقَوْلُ الْوَاقِفِ إلَى أَقْرَبِ أَهْلِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ الظَّاهِرُ فِيهِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عَصَبَاتُ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّخْصِيصِ بِالْأَوْلَادِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَدْخُلَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ اهـ.
فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ ذِكْرَ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ قَرِينَةً عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَقَصْرِهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِي أَنَّ ذِكْرَ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذَا وَصُورَةِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ قَصْرَ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ، بَلْ دَلِيلٍ بِخِلَافِ تَعْمِيمِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَرِينَةِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute