إلَى دَلِيلٍ فَإِذَا اكْتَفَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ بِمُجَرَّدِ قَرِينَةِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ قَرِينَةِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى شُمُولِ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْجَلَاءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مَنْعًا وَلَا تَشْكِيكًا، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أَنْ تَغْفُلَ عَنْهُ فَإِنَّك إذَا تَأَمَّلْتَهُ اتَّضَحَ لَك مَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ: إنَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فِيهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا قَرِينَةٌ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ جَعَلَ نَظِيرَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ فَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا قَرِينَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ.
وَالْقَرِينَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ أَوَّلًا: إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ، وَثَانِيًا: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ فَعِنْدَ نَصِّهِ عَلَى عَدَمِ الْوَلَدِ عَبَّرَ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ، وَعِنْدَ عَدَمِ نَصِّهِ عَلَى ذَلِكَ عَبَّرَ بِالْعُتَقَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَاقِيَ وَلَا قَالَ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ فَعُدُولُهُ عَنْ الضَّمِيرِ إلَى الظَّاهِرِ مَعَ تَعْبِيرِهِ أَوَّلًا بِبَاقِي وَثَانِيًا بِالْعُتَقَاءِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَبُرْهَانٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ الْفَرْقُ إلَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَيْثُ لَا وَلَدَ مُرَادُهُ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَبِّرْ هُنَا بِبَاقِي؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْفُرُوعَ فِي مَنْزِلَةِ الْأُصُولِ لَمْ يَتَّضِحْ التَّعْبِيرُ بِالْبَاقِي، وَمِثْلُ هَذَا التَّغَايُرِ فِي التَّعْبِيرِ الَّذِي مُسْتَنَدُ إدْرَاكِ الْفَرْقِ فِيهِ إلَى مُجَرَّدِ الذَّوْقِ يَكْفِي فِي الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوُضُوحُ بِحَيْثُ لَا تَقْبَلُ الْمَنْعَ كَمَا يُعْلَمُ بِتَصَفُّحِ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، بَلْ وَالْبُلَغَاءِ فِي الْقَرَائِنِ الَّتِي يُرَجِّحُونَ بِهَا إرَادَةَ الْمَجَازَاتِ.
وَالْقَرِينَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا وَوَجْهُ الْقَرِينَةِ فِي هَذَا: أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارِ أَنَّ كُلَّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْفُرُوعِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمْ كَمَا كَانَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ لَا عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ، وَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، إذْ لَا يَتَأَتَّى جَرَيَانُ ذَلِكَ الشَّرْطِ فِي انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلِأَهْلِ طَبَقَتِهِ، إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ، وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِمْ حَقِيقَتُهُمْ فَقَطْ فَلَيْسَ مَعَنَا إلَّا مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ اُسْتُفِيدَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ، فَلَوْ قَصَرْنَا الْحُكْمَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَزِمَ إمَّا إلْغَاءُ قَوْلِهِ وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ ذَوْقٍ، وَإِمَّا كَوْنُهُ تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، عَلَى أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْكَلَامِ عَلَى كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَغَيْرِهَا إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسِ فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا قُلْنَاهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ تَأْسِيسٌ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ مَا لَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ أَوَّلًا: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُصِرَ لَفْظُ الْعُتَقَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إمَّا لَغْوٌ أَوْ تَأْكِيدٌ
وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ حَقَّ التَّأَمُّلِ، فَإِنَّك حِينَئِذٍ تَجِدُهُ قَرِينَةً جَلِيَّةً وَاضِحَةً بَلْ صَرِيحًا لَائِحًا عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ، وَأَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ بِقَوْلِهِ وَمَنْ تُوُفِّيَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ إلَخْ فَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ أَوَّلًا وَبِالْعُتَقَاءِ ثَانِيًا وَثَالِثًا.
وَالْقَرِينَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَافِيَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا؟ بَلْ يَأْتِي قَرِيبًا قَرِينَةٌ رَابِعَةٌ أَيْضًا وَهَذَا أَعْدَلُ شَاهِدٍ وَأَوْضَحُ بُرْهَانٍ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ بِالْعُتَقَاءِ الْحَقِيقَةَ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِمْ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لِمَا بَيَّنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ وَأَيَّدْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ، وَاتَّضَحَ بِهِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ: مِنْ دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ وَبِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute