للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ وَإِلَيْهِ الضَّرَاعَةُ فِي التَّأْيِيدِ وَالْحِفْظُ مِنْ الزَّلَلِ وَالْوَصْمَةِ إنَّهُ أَكْرَمُ كَرِيمٍ وَأَرْحَمُ رَحِيمٍ آمِينَ.

الْأَمْرُ الْخَامِسُ: أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفَةِ إدْخَالُ جَمِيعِ ذُرِّيَّتِهَا عَلَى مَا رَتَّبَتْ قَوْلَهَا، وَتُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ هَذَا التَّعْمِيمِ فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ قَوْلَهَا: وَتُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى دُخُولِ جَمِيعِ فُرُوعِهَا فِي وَقْفِهَا

تَجِدْهُ صَرِيحًا عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْوَاقِفَ فِي مَسْأَلَتِنَا ذَكَرَ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَلِلْمُسَاوِي وَهَذَانِ قَرِينَتَانِ بِمُقْتَضَى قِيَاسِ هَذِهِ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا الْبُلْقِينِيُّ وَمَا فِيهِ قَرِينَتَانِ أَوْلَى مِمَّا فِيهِ قَرِينَةٌ، بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا الْقَرِينَةُ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى أَيْضًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ انْتِقَالِ نَصِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ عَلَى دُخُولِ الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ جَعْلِ فَقْدِ الْفَرْعِ شَرْطًا لِانْتِقَالِهِ لِغَيْرِ الْفَرْعِ عَلَى دُخُولِ الْفَرْعِ إنْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ وَذَاكَ مَنْطُوقٌ قَوِيٌّ فَاتَّضَحَ أَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ قَرِينَتَيْنِ وَأَنَّ إحْدَاهُمَا بِانْفِرَادِهَا أَقْوَى مِنْ قَرِينَةِ الْبُلْقِينِيُّ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ وَسَائِرِ فُرُوعِهِمْ أَوْلَى بِالشُّمُولِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الصَّرَائِحِ فِي مَسْأَلَتِنَا.

فَإِنْ قُلْت يُنَافِي هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا يَأْتِي فِي الْأَمْرِ الْعَاشِرِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الصَّرْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِشَيْءٍ مِنْ الْوَقْفِ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ قَوْلِهَا ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ أَهْلِ مَرْتَبَةٍ شَيْئًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْوَاقِفُ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهَا وَلَا أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ عَامٌّ فَأَخَذْنَا بِمَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ صُرِفَ إلَيْهِ، وَهَذَا أَخْذٌ ظَاهِرٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ كَلَامِ الْوَاقِفَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا صُورَةُ الْأَكْثَرِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مَا يُفْهِمُ عِنْدَهُمْ اسْتِحْقَاقَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْوَقْفَ بِالْأَوْلَادِ ثُمَّ جَعَلَ انْقِرَاضَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَرْطًا فِي إعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَضْعًا أَنَّ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ.

الْأَمْرُ السَّادِسُ، وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ إلَّا بَعْدَ كِتَابَةِ جَمِيعِ مَا سَبَقَ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَتِنَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِلْقَرِينَةِ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَتْ الْوَاقِفَةُ فِي أَمْرِ الْعُتَقَاءِ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْهُمْ يُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ وَنَسْلِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قَالَتْ الْوَاقِفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الْمَذْكُورُونَ فِيهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَبْقَ بِوَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ مِنْهُمْ حِينَ وَفَاةِ الْوَاقِفَةِ الْمَذْكُورَةِ صُرِفَ مَا هُوَ مُعَيَّنٌ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا إلَخْ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ عَيْنُ صُورَةِ سُؤَالِ الْمُفْتِي الْمَذْكُورِ أَوَّلَ هَذَا الِاسْتِفْتَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ بِأَنَّهُ يَعُمُّ ذُرِّيَّةَ الْعُتَقَاءِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ الْعِبَارَةِ الْأُولَى: وَقَضِيَّةُ هَذَا تَعْمِيمُ ذُرِّيَّةِ الْعُتَقَاءِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ مَاتَ قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ، وَهَذَا مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفَةِ آخَرُ فَإِذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الْمَذْكُورُونَ إلَخْ لَمْ تُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْعُتَقَاءِ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ وَأَوْلَادَ أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا أَخْذًا بِقَوْلِهَا أَوَّلًا: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْهُمْ يُصْرَفُ إلَخْ فَتَصْرِيحُهُ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِقَرِينَةِ ذِكْرِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ حَتَّى إنَّ أَوْلَادَ الْوَاقِفَةِ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ حِصَّةِ الْعُتَقَاءِ شَيْئًا مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ فُرُوعِهِمْ.

وَلَا نَظَرَ لِتَعْبِيرِهَا آخِرًا بِالْعُتَقَاءِ لِشُمُولِهِمْ لِفُرُوعِهِمْ لِأَجْلِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ تَصْرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ فِيهَا لِفُرُوعِهِمْ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَسْأَلَتَنَا وَاحِدَةٌ، وَالْقَرِينَةَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ فَإِذَا قَالَ فِي تِلْكَ: بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ كَانَ قَائِلًا فِي هَذِهِ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ الْبُلْقِينِيُّ مُفْتٍ فِي مَسْأَلَتِنَا بِعَيْنِهَا بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا هِيَ عَيْنُ صُورَةِ مَسْأَلَتِنَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>