بِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ إلَخْ ثُمَّ شَكَكْنَا فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ، هَلْ أَرَادَ مِنْ الْعُتَقَاءِ دُونَ فُرُوعِهِمْ أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ فُرُوعِهِمْ؟ وَعِنْدَ الشَّكِّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِلْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْفُرُوعِ فَيُحْكَمُ لَهُمْ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خُرُوجُهُمْ بِدَلِيلٍ غَيْرِ مُحْتَمِلٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمَذْكُورِ، فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِمُحْتَمِلٍ لِذَلِكَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا يَقِينٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ كَانَ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: وَإِنْ مُحْتَمِلًا مُتَسَاوِيًا إلَخْ مُقْتَضِيًا لِاسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ اسْتَدَلَّ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ بِتَقَدُّمِ ذِكْرِ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ فَأُجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ مُحْتَمِلِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ جَارٍ فِي صُورَتِنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَأَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا جَرَى فِيهَا ذَلِكَ جَرَى فِيهَا مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا تَسَاوِيَ الِاحْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرُ الْفُرُوعِ فَيَخْرُجُونَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مُخْرِجٌ لَهُمْ مِنْهُ بِغَيْرِ مُحْتَمِلٍ، وَلَا يُمْكِنُ مُدَّعِيًا هُنَا أَنْ يَزْعُمَ إخْرَاجَهُمْ بِغَيْرِ مُحْتَمِلٍ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْعُتَقَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا قَرِينَةَ لَهُ كَانَ مِنْ أَظْهَرْ قَرَائِنِهِ تَقَدُّمُ اسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ وَالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا لَهُ مِنْ ادِّعَاءِ انْصِرَافِهِ إلَى حَقِيقَتِهِ فَقَطْ، وَإِذَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَ الْعَمَلُ بِالْمُتَيَقَّنِ أَوَّلًا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْفُرُوعِ بِنَصِّ الْوَاقِفِ، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَصْدُقُ عَلَى أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ آبَائِهِمْ أَوْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ؟ قُلْت: كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ، كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ ثُمَّ اسْتَنْتَجَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمُرَادِهِ أَوَّلًا، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمْ وَبِثُمَّ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْمُقْتَضَى إذَا وُجِدَ عَمَلٌ عَمِلَهُ وَلَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي إفْتَاءٍ آخَرَ حَاصِلُهُ: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَنَّهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ يُسَمَّى مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ وَبَيْنَ ذَلِكَ.
الْأَمْرُ التَّاسِعُ: قَالَ السُّبْكِيّ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَمْرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ: فَهَذَانِ الظَّاهِرَانِ تَعَارَضَا وَهُوَ تَعَارُضٌ قَوِيٌّ صَعْبٌ، وَلَيْسَ التَّرْجِيحُ فِيهِ بِالْهَيِّنِ، بَلْ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ الْفَقِيهِ وَخَطَرَ لِي فِيهِ طُرُقٌ مِنْهَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ جَمِيعِهِمْ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ، وَالشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِإِخْرَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ مُتَأَخِّرٌ فَالْعَمَلُ بِالْمُقَدَّمِ أَوْلَى، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ النَّسْخِ حَتَّى يُقَالَ: الْعَمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ أَوْلَى اهـ.
وَهَذَا نَصٌّ قَاطِعٌ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ التَّنَزُّلِ فِيهَا أَنْ يُقَالَ: الشَّرْطُ الْمُقْتَضِي لِاسْتِحْقَاقِ الْعُتَقَاءِ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ وَالشَّرْطُ الْمُقْتَضِي لِإِخْرَاجِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُتَقَاءَ فِي قَوْلِهِ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ إلَخْ الْمُرَادُ بِهِمْ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً فَقَطْ مُتَأَخِّرٌ، وَالْعَمَلُ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى بِنَصِّ هَذَا الْخَبْرِ، وَيُوَجَّهُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى بِمَا عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ: مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفَادَ بِيَقِينٍ إدْخَالَهُمْ وَشَكَكْنَا فِي الثَّانِي هَلْ أَخْرَجَهُمْ أَوْ لَا؟ فَأَبْقَيْنَا الْمُتَيَقَّنَ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ دَوَامِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ نَرْفَعْهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُعَارَضَتِهِ لِلْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَزْدَدْ لَك بِهِ وُضُوحُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ، وَاشْكُرْ اللَّهَ عَلَى وُضُوحِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشْكِلَةِ وَالْوَاقِعَةِ الْعَوِيصَةِ الْمُعْضِلَةِ.
الْأَمْرُ الْعَاشِرُ: قَالَ السُّبْكِيّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي فَعَلَى الْفُقَرَاءِ صُرِفَ إلَى الْأَوْلَادِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَبَقِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ مَائِلٌ لِتَرْجِيحِهِ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ الثَّانِي أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ وَلَيْسَ لِأَجْلِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لَا يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا انْصَرَفَ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهِمْ وَتَوْقِيفِ الصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute