للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى انْقِرَاضِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوْلَادِي وَأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِيهِمْ وَتَجَوَّزَ بِإِطْلَاقِ الْأَوْلَادِ وَإِرَادَةِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَفْهُومِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا جَرَيَانُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَانْقَرَضَ زَيْدٌ الْأَجْنَبِيُّ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ، بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ هَهُنَا الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْأَوْلَادِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا كَوْنُهُ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ، فَتَأَمَّلْ مَا وَجَّهَ بِهِ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مِنْ أَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهِمْ وَتَوْقِيفِ الصَّرْفِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوْلَادِي وَأَنَّهُ تَجَوَّزَ فَأَطْلَقَ الْأَوْلَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّك تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ؛ لِأَنَّ السُّبْكِيّ إذَا اكْتَفَى فِي أَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَتَوْقِيتِ الصَّرْفِ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ، فَهُوَ يَكْتَفِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَلْيُكْتَفَ فِيهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَطْعًا، فَيَكُونُ لَفْظُ الْعُتَقَاءِ شَامِلًا لِلْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فَيَشْمَلُ سَائِرَ فُرُوعِهِمْ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْجَارِيَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا يَجْرِي نَظِيرُهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ إنَّمَا مَالَ كَلَامُهُمْ إلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِضَعْفِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ كَمَا ظَهَرَ لَكَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَالْقَرِينَةُ فِيهَا قَوِيَّةٌ جِدًّا بَلْ وَمَعَهَا قَرَائِنُ أُخْرَى كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا، فَلَا يَأْتِي نَظِيرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُعَلِّلُونَ بِهِ أَنَّ جَعْلَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَرْطًا فِي الصَّرْفِ لِلْفُقَرَاءِ لَا يَدُلُّ وَضْعًا لَا مَنْطُوقًا وَلَا مَفْهُومًا عَلَى الصَّرْفِ لَهُمْ.

وَالْأَصْلُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَعَمِلُوا بِذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِنَظِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا ذَكَرَ الْأَوْلَادَ وَنَصَّ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مَا كَانَ لِأَبِيهِ دَلَّ ذَلِكَ صَرِيحًا عَلَى دُخُولِهِمْ فِي وَقْفِهِ وَلَفْظِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِدَوَامِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، إذْ لَا رَافِعَ لَهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّ لَهُ رَافِعًا بَعْدَهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ قَرِيبًا فِي الْأَمْرِ التَّاسِعِ.

(الْكَلَامُ الثَّانِي) فِي بَيَانِ مَا فِي تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ: أَرَادَ الْوَاقِفُ إلَخْ كَلَامٌ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ وُجِدَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَمَا قَدَّمْت بَيَانَهَا وَإِيضَاحَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مَا يَشْمَلُ حَقِيقَتَهُ وَمَجَازَهُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّنَزُّلِ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ، لَا مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ إلَخْ بَيَانٌ لِعَلَاقَةِ ذَلِكَ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَيَانٌ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ مَجَازَهُ أَيْضًا، وَقَدْ قَدَّمْت مِنْ الْقَرَائِنِ وَالْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ وَتَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ وَيَتَّضِحُ بِهِ الْحَقُّ وَيَزُولُ عَنْ إدْرَاكِ عَوْرَةِ كَثَائِفِ الرَّيْنِ وَالْغَيْنِ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَدْخُلُ إلَخْ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ وَمَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ التَّصْرِيحُ بِنَظِيرِهِ وَعَنْهُ وَعَنْ أَئِمَّةٍ آخَرِينَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِهِ لَا تَقْبَلُ تَأْوِيلًا وَلَا تَحْتَاجُ دَلِيلًا، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ: لَا يَخْتَصُّ إلَخْ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً إلَّا خَمْسُونَ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الصَّرْفِ لِجِهَةِ الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْعُتَقَاءُ وَأَوْلَادُهُمْ قُدِّمَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً إنْ زَادُوا عَلَى خَمْسِينَ لِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِذَا انْقَرَضَ إلَخْ نَعَمْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فَإِذَا انْقَرَضَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ عُتَقَاءُ حَقِيقَةً وَبَعْضَهُمْ مِنْ فُرُوعِ الْمَيِّتِينَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ إذَا كَانُوا مِنْ مَحْضِ الْفُرُوعِ وَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ بِنَصِّ هَذَا الْمُجِيبِ وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ إلَخْ فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ الْأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ الَّذِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْعُتَقَاءِ وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْفُرُوعِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَوْهَمَ ظَاهِرُهُ خِلَافَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>