عِنْدَ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَأَنَّهُ مَتَى وُجِدَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْفُرُوعِ، فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ هُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُجِيبِينَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْفُرُوعَ كَالْأُصُولِ فِي الْمَنْعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْفُرُوعِ فُرُوعُ مَنْ مَاتَ لَا مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ أَفَادَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ فِي تَنَاوُلِ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ لَهُ، إلَّا إنْ مَاتَ أَبُوهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَرِينَةَ الظَّاهِرَةَ عَلَى دُخُولِهِ قَوْلُهُ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ إلَخْ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ قُلْنَا: إنَّ دُخُولَهُمْ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ إلَخْ أَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَتَدْخُلُ الْفُرُوعُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ آبَائِهِمْ، بَلْ قَضِيَّةُ مَا قَدَّمْته أَوَاخِرَ الْأَمْرِ الثَّامِنِ عَنْ السُّبْكِيّ دُخُولُهُمْ هُنَا مُطْلَقًا وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّد اتِّصَافِهِمْ بِالدُّخُولِ وَأَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَحْجُبُونَ غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَجْبَ حُكْمٌ مُغَايِرٌ لِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّسْمِيَةِ، فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْوَجْهُ أَنَّ الْفُرُوعَ الْمَوْجُودَ آبَاؤُهُمْ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي حَجْبِ جِهَةِ الْحَرَمِ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَمِنْ فُرُوعِ الْمَوْتَى إلَّا خَمْسُونَ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ ظَاهِرُهَا التَّنَافِي فِي ذَلِكَ، إذْ ظَاهِرُ هَذَا الْجَوَابِ هُنَا مَا قُلْنَاهُ.
وَظَاهِرُ الْحَاصِلِ الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَ تَأَمُّلِ آخِرِهِ وَظَاهِرُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَرْعَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ وَالِدِهِ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِينَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْوِيرٌ لَا تَقْيِيدٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كَأَنَّهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: عَصَبَةُ كُلِّ عَتِيقٍ الْمُرَادُ مِنْهُمْ فُرُوعُهُ لَا مُطْلَقًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الثَّالِثِ فَقَوْلُهُ: كَانَ الْأَوْلَادُ إلَخْ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَخَذَ هَذَا التَّقْيِيدَ مِمَّا قَرَّرَهُ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ مَوْجُودٌ شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا، وَإِذَا كَانَتْ الْأُصُولُ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ بِوُجُودِ فُرُوعِهَا، فَلَا بُدَّ عِنْدَ تَمَحُّضِ الْفُرُوعِ الْأَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمَوْجُودِينَ نَشَأَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَتَّى تَكُونَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً كَأَنَّهُمْ مَوْجُودُونَ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ لَهُ بِإِطْلَاقِهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ يَشْمَلُ الْفَرْعَ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَإِذَا شَمَلَ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعُتَقَاءِ الْأَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْخَمْسِينَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً، وَبَقِيَتْ الْفُرُوعُ الْأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ الَّذِينَ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ، مَنَعَ هَؤُلَاءِ الصَّرْفَ لِجِهَةِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ بِمُقْتَضَى الْقَرَائِنِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا أَنَّ الْفُرُوعَ يُسَمَّوْنَ عُتَقَاءَ فَيَدْخُلُونَ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي كَلَامِهِ.
وَإِذَا دَخَلُوا فِيهِ وَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ آبَائِهِمْ اُتُّجِهَ مَا قُلْنَاهُ لَا مَا قَالَهُ، فَالْوَجْهُ مَا أَفَادَهُ الْجَوَابَانِ الْأَوَّلَانِ مِمَّا يُوَافِقُ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الرَّابِعِ فَمَا أَفَادَهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لِفُرُوعِ الْعُتَقَاءِ شَيْءٌ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ مِنْ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازه، وَاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ لَكِنَّهُ أَشَارَ إلَى رَدِّ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ بِمَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ أَقْصَى إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا التَّدْقِيقَ لَا يُبْحَثُ عَنْهُ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِينَ، كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ فَتَاوَى أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَعِبَارَاتِ الْوَاقِفِينَ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا، وَقَدْ قَدَّمْت فِي تِلْكَ الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ شَوَاهِدَ صِدْقٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ، وَقَوْلُهُ: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِهِ إلَّا مِمَّنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُهُ بَلْ يُوجِبُهُ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا مَرَّ فَالْقَرِينَةُ عِنْدَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ. قَرِينَةٌ: تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ وَقَرِينَةٌ: تَدُلُّ عَلَى انْضِمَامِ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَشْمَلَهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ.
وَأَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بَنَوْا كَلَامَهُمْ عَلَى الثَّانِي فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِالْأَوَّلِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَرِينَةِ مَنْعُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا إلَّا مِمَّنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: إنَّ إلَخْ فَهُوَ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِزَالَةُ عَنْ الْمَوْجُودِ وَاَلَّذِي سَيُوجَدُ لَكِنْ لَا بِمَعْنَى أَنَّ مُعْتِقَ الْأَصْلِ بَاشَرَ عِتْقَ الْفَرْعِ وَلَا أَزَالَ عَنْهُ رِقًّا حَقِيقِيًّا؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ ذَلِكَ بَدِيهِيٌّ، فَلَا يُورَدُ مِثْلُهُ وَلَا يُرَادُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا: إنْ مَسَّ الْمَيِّتَ رِقٌّ فَالْعَصَبَةُ الْوَارِثُ لَهُ بَعْدَ عَصَبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute