للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ قَادِحٌ فِي نَظَرِهِمْ فَعَلَى الْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ أَصْلَحَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إزَالَةُ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ اهـ.

فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ مَفَاسِدَ فَلِذَا وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا أَكْثَرَ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ إلَّا إنْ انْحَصَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْوَقْفِ وَبَقَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو زُرْعَةَ مُحَقِّقُ عَصْرِهِ بِاتِّفَاقِ مَنْ بَعْدَهُ. وَمِنْ ثَمَّ تَرْجُمُوهُ بِأَنَّهُ مَا رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِقْهَ شَيْخَيْهِ الْإِسْنَوِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَحَدِيثَ وَالِدِهِ حَافِظِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَحَاصِلُ عِبَارَتِهِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَفْعَلُهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ مَكَّةَ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا مِمَّنْ يَقُومُ بِعِمَارَتِهَا وَيُقَدِّرُونَ ذَلِكَ أُجْرَتَهَا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَيَأْذَنُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي صَرْفِهِ فِي الْعِمَارَةِ وَيُقِرُّونَ الدَّارَ مَعَهُ بَعْد عِمَارَتِهَا. عَلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ السَّابِقَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْأُجْرَةِ،

هَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ وَتَكْرَارُهُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ تُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الْوَقْفِ غَالِبًا، وَذَلِكَ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ الْخَرَابِ وَأَطَالُوا فِي السُّؤَالِ

فَأَجَابَ وَأَطَالَ وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّ مَنَافِعَ الْوَقْفِ كَمَنَافِعِ الطَّلْقِ يَتَصَرَّفُ النَّاظِرُ فِيهَا بِالْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَكْثِيرَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَتَقْلِيلِهَا وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ إجَارَةُ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ مُدَّةً تَبْقَى إلَيْهَا غَالِبًا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الدُّورِ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي أَحْكَامِ مَا يَبْنُونَ بِهِ وَإِتْقَانِهِ وَمُدَّةِ بَقَائِهِ غَالِبًا، فَمَا يَفْعَلُهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ الْوَقْفِ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ

إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يُعَمَّرُ بِهِ، وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّاهُ وَسَوَّغْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَقَاءَ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ طَرِيقًا لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَظَرَ لِخَشْيَةِ تَمَلُّكِ الْوَقْفِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ إذَا ظُنَّتْ مَصْلَحَتُهُمَا فِي الْحَالِ لَا نَظَرَ فِي إبْطَالِهَا إلَى احْتِمَالِ مَفْسَدَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ.

وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ إنَّمَا يَحْصُلُ النَّفْعُ بِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَفْرُغُ إلَّا وَقَدْ عَادَتْ الدَّارُ خَرِبَةً كَمَا كَانَتْ لِحُصُولِ غَرَضِ الْوَاقِفِ مَعَ ذَلِكَ بِعِمَارَتِهِ لَهَا، وَذَلِكَ الْغَرَضُ هُوَ بَقَاءُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ مُنْفَكَّةً عَنْ مِلْكِ الْآدَمِيِّينَ لِرَقَبَتِهَا مَمْلُوكَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَبْقَى ثَوَابُهُ مُسْتَمِرًّا حَتَّى يُجْرَى عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِرَيْعِهَا، وَالصُّورَةُ الَّتِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ تَعَيَّنَتْ طَرِيقًا لِبَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ تَدَاعَى لِلسُّقُوطِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعْمَرُ بِهِ مِنْ رَيْعٍ حَاصِلٍ وَالْقَرْضِ، وَالْأَوْلَى إذَا خَرِبَ الْوَقْفُ وَلَمْ يَنْهَضْ بِعِمَارَتِهِ إلَّا أُجْرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ أَنْ يُؤَجَّرَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، لِيُعْمَرَ جَمِيعُهُ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ عَيْنِ الْوَقْفِ مَقْصُودٌ شَرْعًا فِي غَرَضِ الْوَاقِفِ، وَلَا نَظَرَ إلَى خَشْيَةِ الْإِفْضَاءِ إلَى تَمَلُّكِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَقِّقٍ

وَبِالْجُمْلَةِ فَمَتَى أَمْكَنَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ وَبَقَاءِ عَيْنِهِ كَمَا كَانَتْ، فَهُوَ حَسَنٌ فَلْيُفْعَلْ ذَلِكَ بِكُلِّ طَرِيقٍ مُمْكِنٍ شَرْعِيٍّ. وَيُحْتَرَزُ عَمَّا يُتَوَقَّعُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ بِمَا أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ بِهِ، وَلَا تُتْرَكُ الْمَصَالِحُ الْمَظْنُونَةُ لِلْمَفَاسِدِ الْمَوْهُومَةِ اهـ.

حَاصِلُ كَلَامِ الْوَلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ صَرِيحٌ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، لِمَا ذَكَرْته أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْحَاجَةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ مِنْ عَوْدِهَا إلَى عَيْنِ الْوَقْفِ لِتَوَقُّعِ بَقَائِهَا عَلَى ذَلِكَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يُعْمَرُ بِهِ، وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَرْضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّاهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ وَقَوْلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ إلَخْ وَقَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ، لِذَلِكَ تَجِدُ ذَلِكَ كُلَّهُ كَبَقِيَّةِ كَلَامِهِ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُعَانِدٌ مُكَابِرٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.

وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ السَّابِقُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ قُلْت: الْحَاجَةُ أَخَصُّ مِنْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>