للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُخَالِفِينَ وَإِنَّمَا نَقُولُ: بُطْلَانُهَا عِنْدَ مُقَلِّدِنَا أَرْجَحُ مِنْ صِحَّتِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ لِضَرُورَةِ بَقَاءِ حَقِّ الْمَحْكُومِ لَهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، ثَالِثُهَا: تَحْرِيرُ الْمُعْتَمَدِ فِيمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ مِمَّا مَرَّ، نَقْلُهُ عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْآثَارِ إلَّا مَا دَخَلَ وَقْتُهُ، اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا قَضِيَّةُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَصَرِيحُ كَلَامِ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافُهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ السُّبْكِيّ قَالَ: وَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِمُوجَبِ الْقَرْضِ وَعَقِيدَتُهُ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ مِلْكًا تَامًّا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْمُقْتَرِضِ فِي عَيْنِهِ، امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِالرُّجُوعِ فِي عَيْنِهِ بَعْدَ قَبْضِهَا، وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ لَا تُنَافِي الرُّجُوعَ فِيهِ، وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمُوجَبِ الرَّهْنِ أَوْ الْإِلْزَامِ بِمُقْتَضَاهُ امْتَنَعَ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي لَا يَقُولُ بِهَا ذَلِكَ الْحَاكِمُ، أَوْ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْمُخَالِفِ ذَلِكَ. اهـ.

فَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْآثَارَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ، وَأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ: لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ تَدْبِيرٍ امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ، أَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ شِرَاءِ دَارٍ لَهَا جَارٌ امْتَنَعَ عَلَى الْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ مَثَلًا أَوْ بِمُوجَبِ إجَارَةٍ امْتَنَعَ عَلَى الْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهَا الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ لِلْوَرَثَةِ. اهـ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ آخِرًا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا حَضَرَ وَقْتُهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَحْضُرْ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ تِلْمِيذُهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فَقَالَ: مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مَمْنُوعٌ وَفَارَقَتْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهَا بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا بِالْمُوجَبِ وَقَعَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْبِيَعِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَنَفَذَ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْبِيَعِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَامْتَنَعَ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِمَا كَمَا لَوْ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِمَا صَرِيحًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ وَلَوْ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ فَقَالَ: حَكَمْتُ بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ لَغْوًا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْحُكْمِ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ أَجْنَبِيَّةٍ إذْ هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِد اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا السُّبْكِيّ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ، وَالثَّالِثَةُ الَّتِي زَادَهَا الْبُلْقِينِيُّ هِيَ الَّتِي تَوَجَّهَ عَلَيْهَا اعْتِرَاضُ تِلْمِيذِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِيهَا: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا تَوَجَّهَ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ بِالذَّاتِ هُوَ بَقَاءُ الْعَقْدِ وَاسْتِمْرَارُهُ إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وُجِدَ مَوْتٌ أَمْ لَا، وَهَذَا قَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَتَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ، وَبِهِ فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِ طَلَاقِ أَجْنَبِيَّةٍ، فَإِنَّهُ حَالَ حُكْمِهِ ثَمَّ بِالْمُوجَبِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ حَتَّى يَنْصَبَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، فَيَسْتَتْبِعَ مَنْعَ التَّزْوِيجِ، وَهُنَا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ تَوَجَّهَ إلَى مَوْجُودٍ حَالَ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ وَالِاسْتِمْرَارُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَصَحَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَمَنْ لَازَمَهُ امْتِنَاعُ الْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ يُنَافِي حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِالْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَبِهَذَا يَزُولُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَى شَيْخِهِ.

وَمِمَّا يُقَوِّي مَا قَالَهُ شَيْخُهُ وَيَدْفَعُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْقُضَاةَ مِنْ بَعْدِ الْوَلِيِّ، وَإِلَى الْآنَ كَادُوا يُجْمِعُونَ عَلَى مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْحُكْمِ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ تَارَةً وَبِصِحَّتِهَا أُخْرَى، وَمِنْهُ عَدَمُ انْفِسَاخِهَا بِالْمَوْتِ فَإِنَّك لَا تَرَى مُسْتَنَدَ إجَارَةٍ عَنْ شَافِعِيٍّ قَدِيمٍ أَوْ جَدِيدٍ إلَّا وَفِيهِ التَّعَرُّضُ لِلْحُكْمِ بِأَحَدِ الْكَيْفِيَّاتِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ عَنْ مُخَالِفٍ قَطُّ أَنَّهُ أَبْطَلَ هَذَا الْحُكْمَ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مُحْتَرَمٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَعْمَلُونَ بِهِ وَيُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُتَآجِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقُضَاةَ وَالْعُلَمَاءَ مُعْتَمِدُونَ لِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ غَيْرُ نَاظِرِينَ لِاعْتِرَاضِ تِلْمِيذِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا لِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ أَنَّ غَالِبَ عُلَمَاءِ مِصْرَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ وَقْفٍ عَلَى النَّفْسِ شَرَطَ فِيهِ الْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ، فَأَدْخَلَ الْوَاقِفُ زَوْجَتَهُ تَنَاوَلَ هَذَا الْإِدْخَالَ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ وَلَمْ يَكُنْ لِمُخَالِفٍ إبْطَالُهُ، فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُمْ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ شَامِلًا لِلْإِدْخَالِ مَعَ كَوْنِهِ حَادِثًا مُتَجَدِّدًا بَعْدَ الْحُكْمِ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ لِلْآثَارِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا حَالَ الْحُكْمِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا حِينَئِذٍ.

وَتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>