للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَلِيًّا وَلَا الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ وَلَا مُعْتَمَدَ مَذْهَبِهِ، حَيْثُ كَانَ مُقَلِّدًا اُعْتُدَّ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَلَا الطَّعْنُ فِيهِ، وَبِهَذَا يَزْدَادُ تَعَجُّبُكَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ حَقِيقَةً لَا إفْتَاءٌ، وَكَانَ أَقَلُّ مَا عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِ الْحَاكِمِ بِهِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ حُكْمٌ صَحِيحٌ حَقِيقِيٌّ أَرَاحَ نَفْسَهُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ، وَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ مُجَرَّدُ إفْتَاءٍ نَقَلَ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يُشَنِّعْ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تُذْكَرَ، وَإِذَا اقْتَضَى اجْتِهَادُ مُقَلَّدِهِمْ صِحَّةَ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ وَأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بَعْدَ التَّزَوُّجِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَلَا طَلَاقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، فَكَيْفَ يَسْلَمُ لَهُمْ هَذَا وَيُعْتَرَضُ حُكْمَهُمْ بِهِ، بَلْ كَمَا يَسْلَمُ لَهُمْ الْأَصْلُ يَسْلَمُ لَهُمْ الْحُكْمُ بِهِ، وَمِنْ الْوَاضِحِ الْمَعْلُومِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَحْمُولٌ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ دَلِيلُهُ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ بِمِصْرَ مِنْ قَرِيبٍ وَأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ احْتَجُّوا بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ صَحِيحٌ عَلَى قَوَاعِدِنَا، فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ تَطْعَنُوا فِيهِ؟ وَأَنَّ مُحَقِّقِي الشَّافِعِيَّةِ وَافَقُوهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّعَرُّضُ لِحُكْمِ الْمَالِكِيِّ الْمُوَافِقِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَغَيْرِهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُخَالِفِ حَيْثُ وَقَعَ عِنْدَهُ صَحِيحًا شَامِلًا لِمَا دَخَلَ وَقْتُهُ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ مِنْ الْآثَارِ لَمْ يَجُزْ لِمُخَالِفٍ التَّعَرُّضُ لِشَيْءِ مِنْ آثَارِهِ مُطْلَقًا بِنَقْضِهِ وَلَا بِالْحُكْمِ بِخِلَافِهِ، هَذَا إنْ عُلِمَ مَذْهَبُ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا دَخَلَ وَقْتُهُ أَوْ سَبَبُهُ أَوْ مَا يَشْمَلُهُ كَانَ حُكْمُهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَازَ التَّعَرُّضُ لَهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّفْصِيلَ وَاحْفَظْهُ، فَإِنَّهُ الْمُتَعَيِّنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الشَّاهِدَةُ بِهِ الْمَدَارِكُ وَالدَّلَائِلُ، وَلَا تَرْكَنْ إلَى مَا يُخَالِفُهُ مِمَّا مَرَّ إذْ كَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ النَّظَرِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ إنْ عَرَفَ؟ وَعَمَّا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ؟ فَالْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتِرْوَاحٌ عَجِيبٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

الْمَرْجُوُّ أَنْ يَقْسِمَ لَنَا مِنْ تَوْفِيقِهِ أَوْفَرَ نَصِيبٍ فَإِنْ قُلْت: قَدْ اُسْتُفْتِيَ أَبُو زُرْعَةَ فِي وَقْفٍ عَلَى النَّفْسِ حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ أَسْئِلَةً مُتَعَدِّدَةً، فَأَفْتَى فِي كُلٍّ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ عَلَى طُولِهِ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَمْ يُحِلْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ.

وَكَذَلِكَ فَعَلَ شَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ السُّبْكِيّ فَأَطْبَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُحِيلُوا عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ بِالْمُوجَبِ، قُلْت: إنَّ مَا أَفْتَى بِهِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ مِنْ مُوجَبَاتِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَذَاهِبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي جَوَابٍ آخَرَ، فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذَاهِبُ، فَهَذَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَا ذَكَرْته مِنْ الرُّجُوعِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ بَعْدُ، فَتَأَمَّلْهُ فِي تَفْرِيعِهِ أَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ عَلَى مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَطْ، فَقَدْ جَرَى عَلَى مَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي الْمَذَاهِب أَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بَعْدَ الْحُكْمِ يَكُونُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ فِي الْقَوْلِ الْمُوعَبِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوجَبِ كُلُّ حُكْمٍ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ، وَمُلَخَّصُ عِبَارَتِهِ لَا إبْهَامَ فِي الْمُوجَبِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَمَدْلُولَهُ وَمُوجَبَهُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، فَمَدْلُولُهُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ، وَمُقْتَضَاهُ وَمُوجَبُهُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ كَالْبَيْعِ مَدْلُولُهُ: نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ وَمُقْتَضَاهُ: ذَلِكَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ وَحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْبِيَعُ.

وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ مَدْلُولُهُ إنْشَاءُ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ وَمُقْتَضَاهُ وَمُوجَبُهُ صَيْرُورَةُ ذَلِكَ وَقْفًا وَاسْتِحْقَاقُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ، وَقَوْلِ الزَّوْجِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَدْلُولُهُ: إيقَاعُ الْفُرْقَةِ وَمُقْتَضَاهُ وَمُوجَبُهُ وُقُوعُهَا وَحُرْمَةُ الِاسْتِمَاعِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ أَنَّ الْمُوجَبَ فِيهِ إبْهَامٌ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْمُوجَبِ مَعْلُومٌ وَبِإِضَافَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ الْخَاصِّ تَعَيَّنَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ، وَيَشْمَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى مُوجَبًا لَهُ لِلْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ إضَافَةِ الْمُوجَبِ إلَى الْحُكْمِ، وَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ سَوَاءٌ اسْتَحْضَرَ الْحَاكِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>