أَفَرَادَهُ أَمْ لَا، فَلَيْسَ هُنَا إبْهَامٌ فَادِحٌ.
وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ: حَكَمْتُ بِكُلِّ مَا يُوجِبُهُ هَذَا اللَّفْظُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ إذْ الشَّرْطُ عِلْمُ الْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ ذَلِكَ الْوَقْتَ جُزْئِيَّاتِهَا وَلَوْ قَالَ: مَهْمَا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ حَكَمْتُ بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِمُقْتَضَاهُ صَحَّ وَكَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَتَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ آثَارِ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِهِ عَلَى الْعُمُومِ الشَّامِلِ صَرِيحًا لِمَا دَخَلَ وَقْتُهُ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ وَحِينَئِذٍ فَالْحَقُّ مَعَ الْبُلْقِينِيُّ لِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ السُّبْكِيّ، هَذَا لَا مَعَ أَبِي زُرْعَةَ لِمُخَالَفَةِ كَلَامِهِ لِكَلَامِ هَذَيْنِ الْحَبْرَيْنِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَعْلَمُ بِالْمُصْطَلَحَاتِ وَمُقْتَضَى الْأَلْفَاظِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ أَيُّ مُهِمٍّ، رَابِعُهَا: تَحْرِيرُ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ، وَهِيَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ هَلْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى بِضَمَانِ الْمَاءِ وَيَحْكُمُ بِهِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ وَقْفِهِ أَمْ لَا؟ فَنَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هَلْ هِيَ مِمَّا دَخَلَ وَقْتُهُ أَمْ لَا؟ وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ سُؤَالُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْحُكْمِ بِمُوجَبِ وَقْفِ الْمَاءِ إذًا هَلْ يَتَنَاوَلُ عَدَمَ ضَمَانِهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: يَتَنَاوَلُهُ لَمْ يَجُزْ لِلشَّافِعِيِّ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِهِ لِيَحْكُمَ بِضَمَانِهِ لِمَا تَقَرَّرَ: أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الصَّحِيحِ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ لِمُخَالِفِهِ نَقْضُهُ وَلَا التَّعَرُّضُ لِمَا يُخَالِفُهُ.
وَإِنْ قَالُوا: لَا يَتَنَاوَلُهُ أَوْ ذَكَرُوا: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً عِنْدَهُمْ رَجَعْنَا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِمَّا دَخَلَ وَقْتُهُ عِنْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِالْمُوجَبِ، فَتَكُونَ مِنْ حَيِّزِ الْقِسْمِ الْمُتَّفِقِ عَلَى شُمُولِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِغَلَّةِ الْوَقْفِ، وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَا لَيْسَ مِنْ غَلَّتِهِ.
وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُهُ بِمُوجَبِ وَقْفِ الْمَاءِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْم بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِضَمَانِ الْمَاءِ عَلَى مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْمَاءِ الَّذِي حُكِمَ بِمُوجَبِ وَقْفِهِ، فَهُوَ مِنْ آثَارِهِ الْحَاضِرَةِ وَقْتَ الْحُكْمِ، فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِضَمَانِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ الْمُتَضَمِّنَ لِعَدَمِ ضَمَانِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ مَا يُرَجِّحُ هَذَا الِاحْتِمَالَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمُوجَبُ الْوَقْفِ صَيْرُورَةُ ذَلِكَ وَقْفًا وَاسْتِحْقَاقُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ اهـ.
وَبَيَانُهُ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ اسْتِحْقَاقَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَدَلَ الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ تَارَةً، وَعَدَمَ بَدَلِهِ أُخْرَى، فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ حُكْمٌ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِحْقَاقُ بَدَلِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِضَمَانِ الْمَاءِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَفَارِيعِ الْوَقْفِ حَتَّى يَشْمَلَهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَفَارِيعِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِ الْمَاءِ لَا يُنَاقِضُ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ سَابِقًا فِيمَنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ وَهَكَذَا، وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ وَصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ حَنَفِيٌّ، فَأَجَّرَهُ وَلَدُهُ مِائَةَ سَنَةٍ، وَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ شَافِعِيٌّ، فَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ أَمْ لَا؟ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا يَرَاهُ الْحَنَفِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِجَمِيعِ الْآثَارِ الَّتِي يَرَاهَا الْحَاكِمُ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ مُخَالِفًا لِشَيْخِهِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ: بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِهَا، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِحُكْمِهِ بِامْتِنَاعِ إجَارَتِهِ مُدَّةً لَا يُجِيزُهَا الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ حُكْمِهِ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ أَيْ: فَهُوَ كَمَنْعِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ السَّابِقِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ وَقْفِ الْمَاءِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا جَعْلُ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ إجَارَةٍ كَانَ مِنْ آثَارِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَهَا الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ وَقْفِ الْمَنَافِعِ، فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ هَذَا مِنْ آثَارِ الْحُكْمِ بِمُوجَبِ تِلْكَ الْإِجَارَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ ضَمَانِ الْمَاءِ مِنْ آثَارِ الْحُكْمِ بِوَقْفِ الْمَاءِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ وَقْفَ الْمَنَافِعِ وَقَعَ عَلَى الْمَنَافِعِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ بِالْإِجَارَةِ، فَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، بِخِلَافِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute