يُعْلَمُ رَدُّ نَقْلِ هَذَا عَنْهُ، فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ إمَّا اخْتِيَارٌ لَهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَإِمَّا مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ مَا سَبَقَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالْفِعْلِ، بَلْ مِنْ اللَّفْظ فِي هِبَةِ الْوَالِدِ وَغَيْرِهِ، وَمِمَّا يُضَعِّفُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: لَوْ غَرَسَ شَجَرًا وَقَالَ عِنْدَ غَرْسِهِ: أَغْرِسُهُ لِطِفْلِي لَمْ يَمْلِكْهُ الطِّفْلُ بِذَلِكَ فَإِنْ قَالَ: جَعَلْته لَهُ وَاكْتَفَيْنَا بِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ مِنْ الْوَلَدِ أَيْ وَهُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ هِبَتَهُ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا تَقْتَضِي قَبُولًا، وَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ مِنْ الْوَلَدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِرْ مِلْكَهُ بِذَلِكَ.
هَذَا حَاصِلُ عِبَارَتِهِمَا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كَلَامِ الْقَفَّالِ هَذَا الْأَخِيرَ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ تَزْيِينِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لَا يَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصَحِّ وَمُقَابِلِهِ الْمَذْكُورَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ كَلَامَ الْقَفَّالِ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالْأَزْرَقِيُّ الْيَمَنِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَسُكُوتُ آخَرِينَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْعِلْمِ بِضَعْفِهِ مِمَّا قَدَّمُوهُ قَبْلَهُ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ، وَمِمَّا تَقَرَّرَ مِنْ عِبَارَةِ الْقَفَّالِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْكَافِي يُعْلَم رَدُّ قَوْلِ السَّائِلِ، فَهَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ أَوْ يَكُونُ لِلْوَلَدِ؟ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي الْمَذْكُورَةَ صَرِيحَةٌ وَاضِحَةٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَلَدِ، لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ شَاذٌّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَهَبَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ عَيْنًا دُونَ الْآخَرِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُكْرَهُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ خِلَافًا لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ فِي صَحِيحِهِ أَنْ يَهَبَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا أَكْثَرَ مِمَّا يَهَبُ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ كَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ أَوْ ابْنِ الْبِنْتِ، كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْمُتَبَادَرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ اهـ، وَذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْعُقُوقِ.
وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ إنْ اسْتَوَتْ حَاجَاتُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ حِينَئِذٍ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا ارْتَكَبَ التَّفْضِيلَ الْمَكْرُوهَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرَيْنِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَدْلُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُنَّ لَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ أَنْ يَرْجِعَ أَيْ فِي الْكُلِّ عِنْدَ التَّخْصِيصِ وَفِي الزَّائِدِ فَقَطْ عِنْدَ التَّفْضِيلِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا كَرَاهَةَ فِي التَّخْصِيصِ وَلَا يُسْتَحَبُّ الرُّجُوعُ حَيْثُ رَضِيَ الْمَحْرُومُ بِذَلِكَ لِدِينِهِ أَوْ لِغِنَاهُ، أَوْ عُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ وَثِقَتِهِ بِهِ، أَوْ أَذِنَ ابْتِدَاءً فِي الْهِبَةِ لِأَخِيهِ دُونَهُ، أَوْ الْتَمَسَ هُوَ لَهُ ذَلِكَ.
أَمَّا الرُّجُوعُ عِنْدَ الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي هِبَةِ الْجَمِيعِ أَوْ فِي هِبَةِ بَعْضِهِمْ فَمَكْرُوهٌ إلَّا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِدَيْنٍ أَوْ نَفَقَةِ عِيَالٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَأَنْ يَكُونُوا عَقَقَةً أَوْ يَسْتَعِينُوا بِمَا أَعْطَاهُ لَهُمْ فِي مَعْصِيَةٍ وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ إنْذَارِهِ لَهُمْ بِالرُّجُوعِ، فَلَا يُكْرَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: بَلْ الْقِيَاسُ اسْتِحْبَابُ الرُّجُوعِ فِي الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَبَحَثَ فِي الْعَاقِّ أَنَّ الرُّجُوعَ إنْ زَادَهُ عُقُوقًا كُرِهَ أَوْ أَزَالَ عُقُوقَهُ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا فِيهِمَا أُبِيحَ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ عَدَمِهِ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَافَقَهُ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي مَعْصِيَةٍ، وَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ طَرِيقًا فِي كَفِّهِ أَوْ انْكِفَافِهِ عَنْهَا أَنَّهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ فَتَأَمَّلْهُ. تَجِدْهُ حَقًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اهـ.
وَبَحَثَ أَيْضًا تَحْرِيمَ الْهِبَةِ لِمَنْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي الْمَعَاصِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَيْهَا، وَيُسَنُّ لِلْوَلَدِ الْعَدْلُ فِي هِبَتِهِ لِوَالِدَيْهِ فَإِنْ أَرَادَ تَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ نَحْوَ الْإِخْوَةِ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْحُكْمُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُحْتَمَلُ طَرْدُهُ لِلْإِيحَاشِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْأَوْلَادِ عَدَمُ الْبِرِّ وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا فِي الْأَوْلَادِ، وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ طَلَبَ مِنْ إنْسَانٍ أَنْ يَهَبَهُ مَالًا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ مَثَلًا فَاسْتَحَى مِنْهُمْ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ وَكَانَ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْوَةٍ فَلَا يُعْطِيهِ، فَوَهَبَ لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُصَادِرِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَهَبَ لَهُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ أَوْ شَرِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute