للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سِعَايَتِهِ اهـ.

وَإِذَا كَانَ شَخْصٌ فِي بِلَادِنَا بِبَجِيلَةٍ حَضَرَ بَعْضَ أَسْوَاقِهِمْ وَجَلَسَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ السُّوقِ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَقَالَ لَهُمْ: أَطْلُبُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ مِنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ يُعْطِنِي مُحَلِّقًا مَثَلًا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَالْفَقِيرُ مِنْكُمْ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا أَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَجَابُوهُ وَسَلَّمُوا إلَيْهِ ذَلِكَ بِانْشِرَاحِ صَدْرٍ وَبَشَاشَةِ وَجْهٍ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ غَيْرِ إلْحَاحٍ مِنْ السَّائِلِ وَلَا تَذَلُّلٍ وَلَا إظْهَارِ فَاقَةٍ وَلَا إيذَاءٍ لِمَسْئُولٍ، فَهَلْ يَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَلِكَوْنِ السَّائِلِ يَتَحَقَّقُ وَيَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي خَلْوَةٍ لَأَعْطَاهُ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَرَائِنِ الْمُحْتَفَّةِ بِالْأَخْذِ أَوْ بِالسُّؤَالِ أَوْ بِالْإِعْطَاءِ، وَالْمُوَفَّقُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَخَايِلُ وَالْقَرَائِنُ، فَمَتَى ظَهَرَ لَهُ مِنْ حَالِ الْمُعْطِي قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى إعْطَائِهِ لَهُ مَا سَأَلَهُ فِيهِ، بَلْ وَمَا لَمْ يَسْأَلْهُ مُجَرَّدُ الْحَيَاءِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ مَالِكِهِ لَمْ تَسْمَحْ بِهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَانْشِرَاحٍ.

وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَيْهِ خَوْفُهُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ بِذَلِكَ هَدِيَّةَ الْقَادِمِ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ مِنْ حَالِهِ أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى تَفْرِقَتِهَا عَلَى أَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ خَوْفُ أَلْسِنَتِهِمْ وَمَذَمَّتُهُمْ فَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْ قَبُولِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَسْمَحْ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى طِيبِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ بِأَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الرِّضَا بِذَلِكَ وَظَنَّ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحَلِّ خَلْوَةٍ وَسُئِلَ أَعْطَى جَازَ قَبُولُ مَا أَعْطَاهُ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَاضٍ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مَلَّكَ شَخْصًا عَقَارًا نَحْوَ أَرْضٍ وَقَبِلَ مِنْهُ فِي الْمَجْلِسِ وَأَذِنَ الْمَالِكُ فِي تَسْلِيمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَاعْتَرَفَ الْمُمَلِّكُ لَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالْجَوَازِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ مَثَلًا فَهَلْ يَكْفِي اعْتِرَافُهُ بِذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَالَ فِي بَلْدَةٍ غَيْرِ بَلْدَةِ التَّمْلِيكِ، وَهَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْحَوْزِ بَعْدَ التَّمْلِيكِ وَالْإِذْنِ وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَصِلُ إلَيْهِ؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ وُصُولُهُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ أَوْ يَكْفِي مُضِيُّ زَمَنٍ يَصِلُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ؟ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فِي التَّسْلِيمِ كَذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ؟ وَإِذَا رَجَعَ الْمُمَلِّكُ قَبْلَ مُضِيِّ الزَّمَنِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ وَقَبْلَ الْحَوْزِ هَلْ يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَيَمْلِكُهُ مَالِكُهُ الْأَوَّلُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؟ أَمْ لَا؟ وَمَا صُورَةُ الْحَوْزِ؟ إذَا كَانَ أَرْضًا بَيْضَاءَ أَوْ دَارًا أَوْ نَخْلًا مَثَلًا هَلْ يَكْفِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ؟ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأَرْضِ بِالْحَرْثِ وَالزَّرْعِ؟ وَالدَّارِ بِالسُّكْنَى وَالْإِسْكَانِ؟ وَالنَّخْلِ بِالتَّصَرُّفِ؟ وَمَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - أَيْضًا إذَا مَلَكَهُ وَأُخْلِيَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْمُمَلِّكَ أَبَاحَهُ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ مِدَّةً قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْحَوْزِ، فَهَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْحَوْزِ ثُمَّ الْإِبَاحَةُ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا وَهَبَ الْإِنْسَانُ أَوْ رَهَنَ أَوْ بِيَعِ لَهُ مَا تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ نَحْوَ الْوَاهِبِ وَمُضِيِّ زَمَنٍ بَعْدَ الْإِذْنِ يُمْكِنُ فِيهِ السَّيْرُ إلَى ذَلِكَ وَالتَّخْلِيَةُ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَالنَّقْلُ فِي الْمَنْقُولِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُتَّهَبِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ الْغَائِبِ عَنْ بَلَدِهِ إلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ وَمُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَمُجَرَّدُ اعْتِرَافِهِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَكَذَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُصُولُ الْمُتَّهَبِ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ، وَأَنَّ الْقَبْضَ فِي نَحْوِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالنَّخْلِ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّفْرِيغِ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُتَّهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إبَاحَةُ الْمُتَّهَبِ مَا وُهِبَ لَهُ لِلْوَاهِبِ قَبْلَ قَبْضِهِ حِسًّا فِي الْحَاضِرِ وَتَقْدِيرًا فِي الْغَائِبِ كَمَا ذُكِرَ.

وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ لَوْ مَلَكَ شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَأَبَاحَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا مَلَكَ بِنَحْوِ بَيْعٍ فَكَانَتْ الْإِبَاحَةُ فِيهِ مُتَضَمَّنَةً لِلْقَبْضِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ أَصْلًا، فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي مَمْلُوكٍ وَنَحْوِهِ وَلَا مِلْكَ هُنَا وَلَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِوَجْهٍ، وَقَبْضُ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ فِي نَحْوِ الْهِبَةِ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>