للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى وَرَدَ وَارِدٌ مِنْ الْمَوْصُوفِينَ، فَهَلْ يُقَاسِمُهُمْ؟

(فَأَجَابَ) : لَا يُسَاهِمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الرَّيْعَ قَبْلَ وُرُودِهِ، فَهَذِهِ نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْوَصْفُ الْحَادِثُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْقِسْمَةِ وَكَذَلِكَ الْوَصْفُ فِي مَسْأَلَتِنَا حَادِثٌ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْقِسْمَةِ فَإِنْ قُلْت: يُنَاقِضُ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ دَخَلَ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ قُلْت: ذَاكَ إنَّمَا دَخَلَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا، فَلَا تَنَاقُضَ لِاغْتِفَارِهِمْ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ دُخُولَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ تَبَعًا كَمَا يُعْرَفُ بِتَصَفُّحِ كَلَامِهِمْ فِيهَا وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ التَّصَدُّقِ صَرِيحٌ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي الْحَالِ إلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اعْتِبَارُ الصِّفَةِ حَالَ اللَّفْظِ بِالتَّصْدِيقِ وَعَدَمُ النَّظَرِ إلَى حَالِ الصِّفَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ.

بَعْدُ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: الصَّحِيحُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مَدَارُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْأَثْبَاتُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ. وَاعْتَمَدَهُ

الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلُّزُومِ أَيْ لَا لِلْمِلْكِ أَوْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَفَرَّعَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ قَالَا: لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ كَالْبَيْعِ الْجَائِزِ أَيْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَأَفْهَمَ صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ أَوْ شُبْهَةَ الْمِلْكِ تَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ حُصُولِ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ قُلْت: صَرَّحَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِأَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ صَدَقَةً مَعَ رَسُولِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَاسْتَرَدَّهَا مِنْ الطَّرِيقِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهَا كَانَتْ تَرِكَةً، وَهَذَا يَقْتَضِي خِلَافَ مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ غَيْرِهِمَا قُلْت: لَا يُنَاقِضُهُ وَلَا يُخَالِفُهُ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا لَهُ شُبْهَةَ مِلْكٍ أَوْ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ ذَلِكَ أَنْ لَوْ أَثْبَتِنَا لَهُ مِلْكًا تَامًّا، وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ رَسُولَ الْمُهْدِي لَوْ أَوْجَبَ فَقَبِلَ الْمَهْدِيُّ إلَيْهِ مَلَكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ.

وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَمْلِكَ الْهَدِيَّةَ وَكَّلَ الرَّسُولَ الْحَامِلَ لَهَا حَتَّى يُوجِبَ وَيَقْبَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ فَيَمْلِكَ بِذَلِكَ. اهـ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ وَلَوْ بِغَيْرِ قَبْضٍ مِلْكًا تَامًّا، وَمُنَازَعَةُ ابْنِ الصَّبَّاغِ لِلشَّيْخِ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْقُشَيْرِيِّ فِي الْمُوَضِّحِ الْعَادَةُ تُفَسِّرُ اللَّفْظَ الْمُجْمَلَ فِي الْعُقُودِ اتِّفَاقًا، فَانْظُرْ لِحِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدَقَةُ مِنْ الْعُقُودِ جَزْمًا، وَقَوْلُهُ أَعْطَوْا الْقَاضِي الشَّافِعِيَّ كَذَا مُجْمَلٌ أَيُّ مُجْمَلٍ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُجْمَلَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ النَّذْرِ: لَوْ نُذِرَ لِلْقَبْرِ الَّذِي بِجُرْجَانَ تَعَيَّنَ صَرْفُ ذَلِكَ إلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَا يَجْتَمِعُ يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، فَكَمَا تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ النَّاذِرَ لَمْ يَذْكُرْهُمْ، فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ يَنْزِلُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا حِينَئِذٍ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ الْقَمُولِيِّ: الْعُرْفُ الْخَاصُّ يُؤَثِّرُ كَالْعُرْفِ الْعَامِّ.

وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: مَتَى وُجِدَ اصْطِلَاحٌ سَابِقٌ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ، وَقَاعِدَةُ الْأَصْحَابِ فِي الْوَكَالَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ: أَنَّ الْقَرِينَةَ قَدْ تَقْوَى فَيُتْرَكُ لَهَا إطْلَاقُ اللَّفْظِ، وَقَدْ يَتَعَادَلُ اللَّفْظُ وَالْقَرِينَةُ فَتَارَةً يَغْلِبُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَتَارَةً يَغْلِبُ مُقْتَضَى الْقَرِينَةِ، وَقَدْ أَوْضَحُوهُ بِصُوَرٍ فِي الْوَكَالَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَعْزُولِ وَالْمُتَوَلِّي لِقَوْلِهِمْ: لَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَلَمْ تُعْرَفْ مَقَادِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ كَيْفِيَّةُ التَّرْتِيبِ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ.

وَيُجَابُ: بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْعَادَةُ قَاضِيَةً فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ وَإِلَّا وَجَبَ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَبِأَنْ لَا يُوجَدَ اصْطِلَاحٌ سَابِقٌ، فَمَتَى وُجِدَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ النَّقِيبِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا وَاحِدٌ وَحَمَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْآخَرُ دَخَلَ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْإِخْوَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>