للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اشْتَرَتْهَا لِنَفْسِهَا، وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِمُقْتَضَى الْمَبْلَغِ الَّذِي أَعْطَاهُ لِزَوْجَتِهِ وَدَفَعَتْهُ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ، فَهَلْ هَذِهِ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ وَتُثْبِتُ النَّسَبَ وَالْحُرِّيَّةَ، كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةً لِغَيْرِهِ عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا أَمَتَهُ؟ أَوْ تَكُونُ شُبْهَةً تُثْبِتُ مَا عَدَا الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لِشَخْصٍ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ وَحَلَفَ؟ أَوْ لَا تَكُونُ شُبْهَةً كَمَا لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِسَبَبِ الرَّهْنِ وَكَانَ نَاشِئًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا، وَعَنْ قَوْلِهِمْ: ادِّعَاءُ الْمِلْكِ شُبْهَةً.

وَكَذَا ظَنُّهُ هَلْ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ؟ حَتَّى إذَا بَيَّنَ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ يُقْبَلُ مِنْهُ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ ارْتِهَانُهُ لَهَا، أَوْ إبَاحَةُ مَالِكِهَا لَهُ، أَوْ قَرْضُهُ أَوْ هِبَتُهُ لِمَالِكِهَا ثَمَنَهَا حِينَ اشْتَرَاهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ بَيَّنَ سَبَبًا يَقْتَضِي الْمِلْكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا قَوْلُهُ لَهَا مَا ذُكِرَ فَمُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ اشْتَرِ جَارِيَةً لِخِدْمَتِك اللَّازِمَةِ لِي فَتَكُونُ حِينَئِذٍ وَكِيلَةً عَنْهُ فِي شِرَائِهِ وَمَا زَادَتْهُ قَرْضٌ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ اشْتَرِ بِهِ جَارِيَةً لِخِدْمَتِك لِأَنِّي وَهَبْتُهُ لَك وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ مِلْكًا لَهَا وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: الْجَارِيَةُ مِلْكٌ لَهَا اشْتَرَتْهَا لِنَفْسِهَا مُؤَيِّدٌ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْوَطْءِ، وَلَا تَصْرِيحَ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حِينَ الْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّل أَوْ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا لَهُ وَلَهَا فَوَطِئَهَا بِظَنِّ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا إنَّمَا اشْتَرَتْهَا كُلَّهَا لِنَفْسِهَا فَاعْتَرَفَ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهَا فَيَجِبُ اسْتِفْسَارُهُ، فَإِنْ أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا لَهُ وَلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُنَافِيه إلَّا لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِمَا ذُكِرَ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَإِنْ أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الثَّانِي حُدَّ وَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى نَظِيرُ مَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ نَظِيرَ مَنْ وَطِئَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ وَحَلَفَ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَزْعُمُ الْمِلْكَ، فَأَسْقَطْنَا عَنْهُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَلَمْ نُثْبِتْ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ لِثُبُوتِ مِلْكِهَا لِلْحَالِفِ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ رِقُّهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْر.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ النَّظَرُ بِالنِّسْبَةِ لِفَوَاتِ الْمَالِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ مَا أَمْكَنَ، وَأَمَّا فِي تِلْكَ فَهُوَ يَزْعُمُ الْمِلْكَ لَهَا فَلَمْ يُفِدْهُ ظَنُّهُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ شَيْئًا، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ قَوْلُهُمْ: ادِّعَاءُ الْمِلْكِ شُبْهَةً لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شُبْهَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَقَطْ، لَا لِإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ أَيْضًا لِوُجُودِ مُعَارِضِهَا مِنْ حَلِفِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ ظَنِّ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ شُبْهَةٌ فِي الْأَمْرَيْنِ، أَمَّا الْحَدُّ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مُعَارِضٌ لِظَنِّهِ مَعَ عُذْرِهِ فِيهِ، ثُمَّ الَّذِي يَقْتَضِيه إطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى الْمِلْكَ أَوْ ظَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْسِرْ لَكِنَّهُ إذَا تَبَرَّعَ بِتَفْسِيرٍ نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ الْعَامَّةُ مِنْهُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ كَانَ شُبْهَةً وَإِلَّا فَلَا.

(سُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ -: عَمَّا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّسَامُحِ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْبُقُولَاتِ أَوَّلَ وَقْتِ النَّبَاتِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ يُؤْكَلُ مَثَلًا هَلْ هُوَ حَلَالٌ طَيِّبٌ أَمْ لَا؟ وَقَدْ يَأْخُذُ ذَلِكَ الصَّبِيُّ وَيَأْتِي بِهِ إلَى أَهْلِ الثَّرْوَةِ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِإِعْطَائِهِ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ لَهُمْ وَيَأْكُلُ ذَلِكَ الْوَرِعُ وَغَيْرُهُ وَفِي نَفْسِ الْفَقِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَيْثُ اطَّرَدَتْ عَادَةُ أَهْلِ نَاحِيَةٍ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْبُقُولَاتِ بِحَيْثُ يَجْزِمُ الْآخِذُ بِأَنَّ مَالِكَ الْمَأْخُوذِ لَا يَتَأَثَّرُ فِيهِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ جَازَ الْأَخْذُ، نَظِيرَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَخْذِ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ، وَمَنْ جَازَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْأَكْلِ لَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَّا إنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِرِضَا الْمُلَّاكِ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ بِمَا شَاءَ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُهْدِيَهُ لِغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ الْغَيْرِ الْأَكْلُ مِنْهُ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا سَمَحَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُعْطِيه لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، حَتَّى يُعْطِيَهُ الْمُقَابِلَ أَوْ يَعْزِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَحَيْثُ جَزَمَ بِالرِّضَا وَبِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ تَرْكُ الْأَكْلِ وَرَعًا وَإِلَّا كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الْوَرَعِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ فِي بَابِ الْهِبَةِ إلَّا إنْ تَفَرَّخَ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْفَلَسِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ بَيْضًا فَتَفَرَّخَ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (فَأَجَابَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>