وكما حَفِظ الله ﷿ كتابه العزيز من التحريف والتبديل؛ فقد حَفِظ سُنَّةَ نبيه ﷺ فقيَّضَ لها رجالًا أجِلاء، فُضلاء، شُرفَاء، نقلوا الحديث النَّبوي، جيلًا بعد جيل، وثقة عن ثقة في صدورهم، ودَوَّنُوه في كتبهم، وتَوَلَّوه بالرعاية، والرواية، ولم يُدْخِروا جُهْدًا أو بَدلًا في شرحِهِ، وتقريبه، وتَوْضيحِهِ، وبذلوا الغالي والنَّفيس في سبيله، وذادُوا عنه كل الذَوْدِ، وكانت خدمة الحديث الشريف لهم غايَة، ومَطْلبًا، وشَرَفًا، وأَيَّمَا شَرَف.
وكان تدوين الصِّحاح، والسُّنَنِ والجَوامِع، والمسَانيد، وغيرها من كتب الحديث، آثارًا باقية، خالدة، شاهدة على صدقهم، وأمانتهم، وحبهم للرسول ﷺ، وسنته النبوية الشَّريفة.
ومن العُلماء الأفذاذ الذين دَأَبُوا على خدمة الحديث الشريف بالجمع، والحفظ، والرِّواية، والكتابة، والعناية: الإمام الحافظ، الثِّقة أبو الفِدَاء إسماعيل بن عمر بن كَثير؛ فكان ﵀ بمساهماته العِلمية الغزيرة، النافعة، المتنوعة، مُجتهدًا بِهِمَّة؛ وكان بحفظه للمُتون، ومعرفته بصحيحها، وسقيمها، وعِلَلِها ورجالها، من المتميزين في عصره.
وها هو كتاب (مُسند الإمام أبي بكر الصديق وأيامه وأحكامه) - بين أيديكم - ثمرة من ثمرات جُهْدِ مؤلفِهِ الإمام الحافظ ابن كثير ﵀ الذي صنَّفه قبل كتبه:(جامع المسَانيد والسُّنن)، و (مُسند الفاروق)، و (مُسند عائشة)، وقد قيل: إنه من مصنفاته المفقودة (١).
(١) ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، جامع المسانيد والسنن، تحقيق د. عبد المعطي، قلعجي، دار الفكر/ دار الكتب العلمية، بيروت، ط ٢، ١٤٢٣ هـ ٢٠٠٢ م (ص: ١٥٠ - ١٥١)، آل شلش: عدنان بن محمد بن عبد الله آل شلش، الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث رواية ودراية، دار النفائس، عمان، ط ١، ١٤٢٥ هـ ٢٠٠٥ م (ص: ١٠٤ - ١٠٧). الزحيلي: محمد الزحيلي، ابن كثير الدمشقي، الحافظ المفسر، المؤرخ، الفقيه، دار القلم، دمشق، ط ١، ١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م (ص: ٣١١ - ٣١٢).