الخَيْرِ (١) ابنَ التَّبَّانِ الفَقِيْهَ البَغْدَادِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّ مَدْرَسَةَ عَبدِ القَادِرِ كَانَتْ لِلْقَاضِي المَخَرِّمِيِّ، فَلَمَّا فُوِّضَتْ إِلَى عَبْدِ القَادِرِ أَرَادَ أَنْ يُوَسِّعَهَا وَيَعْمُرَهَا. فَكَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَأْتُوْنَهُ بِشَيءٍ فَشَيءٍ إِلَى أَنْ عَمَرَهَا، فَاتَّفَقَ أَنَّ امْرَأَةً مِسْكِيْنَةً جَاءَتْ بِزَوْجِهَا، وَكَانَ زَوْجُهَا مِنَ الفَعَلَةِ الرَّوْزَجَارِيَّةِ، وَقَالَتْ لِعَبْدِ القَادِرِ: هَذَا زَوْجِي، وَلِيْ عَلَيْهِ مِنَ المَهْرِ قَدْرَ عِشْرِيْنَ دِينَارًا، وَوَهَبْتُ لَهُ النِّصْفَ بِشَرْطِ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَدْرَسَتِكَ بِالنِّصْفِ البَاقِي، وَقدْ تَرَاضَيْنَا عَلَى هَذَا، فَقَبِلَ الزَّوْجُ ذلِكَ وَأَحْضَرَتِ المَرْأَةُ الخَطَّ وَسَلَّمْتُهُ إِلَى عَبْدِ القَادِرِ، فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الزَّوْجَ فِي المَدْرَسَةِ، وَكَانَ يُعْطِيْهِ يَوْمًا الأُجْرَةَ، وَيَوْمًا لَا يُعْطِيْه؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الرَّجُلَ مُحْتَاجٌ فَقِيْرٌ، وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا، إِلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ عَمِلَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيْرَ، فَأَخْرَجَ عَبْدُ القَادِرِ الخَطَّ، وَدَفَعَهُ إِلَى الزَّوْجِ، وَقَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ البَاقِي.
قُلْتُ: ظَهَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ لِلْوَعْظِ بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَحَصَلَ لَهُ القَبُوْلُ التَّامُّ مِنَ النَّاسِ، وَاعْتَقَدُوا دِيَانَتَهُ وَصَلَاحَهُ، وَانْتَفَعُوا بِهِ وَبِكَلَامِهِ وَوَعْظِهِ، وَانْتَصَرَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِظُهُوْرِهِ، وَاشْتُهِرَتْ أَحْوَالُهُ، وَأَقْوَالُهُ، وَكَرَامَاتُهُ، وَمُكَاشَفَاتُهُ، وَهَابَهُ المُلُوْكُ فَمَنْ دُونَهُمْ.
(١) في (ط): "أَبَا الحُسَيْنِ" تَحْرِيْفٌ ظَاهِرٌ، وَالمَقْصُود: دُلَفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ التَّبَّانِ الأَزْجِيُّ، أَبُو الخَيْرِ (ت: بعد ٥٧٧ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأتي، وهُوَ مُحَرَّفٌ هُنَاكَ أَيضًا في (ط) إلَى "البَتَّان" تَحْرِيْفُ طِبَاعَةٍ. وَفِي تَرْجَمَتِهِ هُنَاكَ قَالَ المُؤَلِّفُ: "وَصَحِبَ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute