الدافع، فأما إن كان عليه تعب أو ضرر في مال أو جاه لم يلزمه ذلك، لأن حقه مرعى في منفعة بدنه، وماله وجاهه، كحق غيره، ولا يلزمه أن يفدي غيره بنفسه.
نعم الإيثار مستحب وتجسم الصعاب لأجل المسلمين قربة فأما إيجاب ذلك فلا، وعلى هذا إن كان يتعب بإخراج البهائم عن الزرع لم يلزمه السعي في ذلك، ولكن إذا كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نومه إذا استرسلت فيه البهائم أو بإعلامه فيلزمه ذلك، فإهمال تعريفه كإهمال تعريف القاضي بالشهادة، وذلك لا رخصة فيه، ولا يمكن أن يراعى فيه الأقل والأكثر، حتى يقال: إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله بإخراج البهائم حتى يقال: إلا قدر درهم مثلاً وصاحب الزرع يفوته مال كثير، فيترجح جانبه، لأن الدرهم الذي له هو يستحق حفظه، كما يستحق صاحب الألف فلا سبيل إلى المصير إلى ذلك، فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية كالغضب، أو قتل عبد مملوك للغير، فهذا يجب المنع منه، وإن كان فيه تعب ما لأن المقصود حق الشرع، والغرض دفع المعصية وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي، والمعاصي كلها في تركها تعب، وإنما الطاعة كلها في تركها تعب، وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس، وهي غاية التعب) ثم ذكر بعد ذلك كلامًا كثيرًا ليس هذا محل إيراده انتهى.
قال أبو عبد الله ابن فلح - في الآداب -: (هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟ .
ينبني على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها، أو يجب غض البصر؟ في المسألة قولان:
قال القاضي عياض - في حديث جرير - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري "رواه مسلم".
قال العلماء - رحمهم الله -: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلاّ لغرض صحيح شرعي. ذكره الشيخ محي الدين النووي، ولم يزد عليه.