للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت مالي في سبيل الله، أموت يوم أموت وليس في قلبي حب لأهل طاعة الله وبغض لأهل معصية الله، ما نفعني ذلك شيئًا.

وروى الطبراني وغيره من حديث أبي قرصافة جندرة. و"ابن عدي" من حديث جابر مرفوعًا "من أحب قومًا على أعمالهم حشر في زمرتهم" زاد "ابن عدي" "يوم القيامة".

فيجب حينئذ ع لى العبد أن يكون له أعداء يبغضهم في الله كما يكون له أصدقاء وإخوان يحبهم لله، إذ يمقت لمقته، ويطرد من أبعده عن حضرته فيعادي من عادى مولاه ويصاحب من يتقي الله ويخشاهن ومن أحب إنسانًا لأنه مطيع لله، فإن عصاه فلا بد أن يبغضه لأنه عاص لله.

وروى أبو نعيم - في الحلية - بسنده - عن يوسف بن أسباط. قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا أحببت الرجل في الله ثم أحدث حدثًا في الإسلام، ولم تبغضه عليه فلم تحبه لله.

فمن أحب لسبب فبالضرورة يبغض لضده، لأن كل واحد من الحب والبغض دفين في القلب وإنما يترشح عند الغلبة، وبظهور أفعال المحبين والمبغضين في المقاربة والمباعدة وفي المخالفة والموافقة، فإذا ظهر في الفعل سمي موالاة ومعاداة.

قال أبو حامد الغزالي: فإذا اجتمع في شخص واحد خصال يجب بعضها ويكره بعضها وجب حبه لأجل الخير وبغضه "فتعطى كل صفة حظها من البغض والحب والإعراض والإقبال". فمن وافقك على غرض وخالفك في آخر، فتكون معه على حالة متوسطة من الانقباض والاسترسال، وبين الإقبال والأعراض، وبين التودد والتوحش، فلا تبالغ في كرامته كمبالغتك في إكرام من يوافقك في جميع أغراضك، ثم ذلك التوسط يكون ميله إلى طرف الإهانة عند غلبة المخالفة والى طرف الإكرام عند غلبة الموافقة فهكذا ينبغي أن يكون فيمن يطيع الله ويعصيه ويتعرض لرضاه مرة ولسخطه أخرى - فإن قيل- فبماذا يمكن إظهار البغض؟ قيل: فأما بالقول فبقطع اللسان عن مكالمته ومحادثته مرة وبالتغليظ بالقول أخرى. وأما في الفعل فبقطع السعي في إعانته مرة وبالسعي في إساءته وإفساد مأربه أخرى.

<<  <   >  >>