أَبواهُ، فقلتُ له يوماً: ما يُبكيكَ؟ قالَ: يضربُني أَبوايَ، قلتُ: ولم يَضربانِكَ؟ قالَ: آتِى صاحبَ هذا الدَّيرِ، فإِذا علِما ذلكَ ضَرَباني، وأَنتَ لو أَتيتَه سمعتَ مِنه حديثاً عجباً، قلتُ: اذهبْ بي معكَ، فأَتيناهُ فحدثَنا عن بدءِ الخلقِ، وعن بدءِ خلقِ السماواتِ والأرضِ والجنةِ والنارِ، قالَ: فحدثنا بأَحاديثَ عجبٍ، فكنتُ أَختلفُ إليه مَعه، وفطنَ لنا غِلمانٌ مِن الكُتابِ فجَعلوا يَجيئونَ مَعنا، فلمَّا رأَى ذلكَ أَهلُ القريةِ أَتوهُ فَقالوا: يا هَذا، إنكَ قد جاوَرْتنا فلم ترَ في جِوارِنا إلا الحسنَ، وإنَّا نَرى غلمانَنا يَختلفونَ إليكَ، ونحنُ نخافُ أَن تُفسِدَهم عَلينا، اخرُجْ عنا، قالَ: نَعم، فقالَ لذلكَ الغلامِ الذي كانَ يأتيهِ: اخرُجْ مَعي، قالَ: لا أَستطيعُ ذلكَ، قد علمتَ شدَّةَ أبويَّ عليَّ، قلتُ: لكنِّي أَخرجُ معكَ، وكنتُ يتيماً لا أبَ لي.
فخرجتُ مَعه، فأخَذْنا جبلَ رامهرمزَ، فجعَلْنا نَمشي ونتوكَّلُ ونأكُلُ مِن ثمرِ الشجرِ، حتى قدِمْنا الجزيرةَ، فقدِمْنا نصيبينَ، فقالَ لي صاحِبي: يا سلمانُ، إنَّ هَهنا قوماً هم عُبادُ أهلِ الأرضِ، وأَنا أحبُّ أَن أَلقاهم، قالَ: فجِئْنا إِليهم يومَ الأحدِ وقد اجتَمعوا، فسلَّمَ عليهم صاحِبي، فحيّوهُ وبشُّوا به، وَقالوا: أينَ كانتْ غَيبتُكَ؟ قالَ: كنتُ في إخوانٍ لي مِن قِبَلِ فارسَ، فتَحدثنا ما تَحدثنا، ثم قالَ لي صاحِبي: قُمْ يا سلمانُ انطلقْ، فقلتُ: لا، دَعْني مَع هؤلاءِ، قالَ: إنَّك لا تُطيقُ ما يُطيقُ هؤلاءِ، هؤلاءِ يَصومونَ الأحدَ إلى الأحدِ، ولا يَنامونَ هذا الليلَ، فإِذا فيهم رجلٌ مِن أبناءِ الملوكِ تركَ المُلكَ ودخلَ في العبادةِ، وكنتُ فيهم حتى أَمسينا، فجَعَلوا يذهبونَ واحداً واحداً إلى غارِهِ الذي يكونُ فيه، فلمَّا أَمسينا قالَ ذلكَ الرجلُ الذي مِن أبناءِ المُلوكِ: هذا الغلامُ لا تُضيِّعوه ليأخُذْه رجلٌ مِنكم، فَقالوا: خذهُ أنتَ، فقالَ: هلمَّ يا سلمانُ، فذهبَ بي مَعه حتى أَتى غارَهُ الذي يكونُ فيه، فقالَ: يا سلمانُ، هذا خبزٌ وهذا أدمٌ، فكُلْ إذا غَرِثتَ، وصُمْ إذا نشطتَ، وصلِّ