وغير ذلكَ، وكانَ لنا صنمٌ يُقالُ له: فَرَّاضٌ، كنتٌ كثيرَ التعبدِ له والتبركِ به والقيامِ عليه، وكانَ قَلَّ يومٌ إلا وأنا أذبحُ له ذبيحةً أنيسةً أو نافرةً، وكنتُ لا آخذُ جاريةً لصيدِ الأحداثِ عليها، فهلكَ، وكنتُ قلَّ ما أُدخلَ الحيَّ صيداً حياً، لأنِّي كنتُ لا أُدركُه إلا وهو قد أَشقى، فلمَّا طالَ بي أتيتُ فَرَّاضاً فذبحتُ له وطفتُ به، وأنشئتُ أقولُ:
فرَّاضُ أَشكو هلكَ الجوارح ... مِن طائرٍ ذي مخلبٍ ونابح
وأنتَ للأمرِ الشديدِ الفادح ... فافتحْ فقد أسهلت المفاتح
فأجابَني مِن الصنمِ مُجيبٌ:
دونكَ كلبٌ سَدِكا مُباركاً ... مِن طائرٍ ذي مخلبٍ ونابح
تراهُ في آثارِهنَّ سالكاً ... فافتحْ فقد أسهلت المفاتح
مِن فوقه وللجراح باركاً
قالَ: فانصرفتُ مِن عندهِ حتى أتيتُ خِبائي، وأصبتُ كلباً خِلاسيّاً عظيماً بهيماً أسودَ، عظيمَ الكفِّ والشعرِ، هائلَ الخلقِ، فدعوتُه، وبصبصَ لي وألِفَني، فعمدتُ وجعلتُ مربطَه بإزاءِ فِراشي، فأحسنتُ إليهِ وأطعمتُه، فإذا هو أحذقُ مِني بالصيدِ، فكنتُ لا أَرمي به شيئاً إلا أدركَه وقَنَصه، ولا يعنُّ له شيءٌ مِن الصيدِ
(١) ترجمه الحافظ في القسم الأول في الإصابة (٧/ ١٢٤) وذكر حديثه التالي.