إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.
وبعدُ، فقد بعثَ اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمَينَ بشيراً ونذيراً، فبلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ للأُمةِ، وتركَها على المحجَّةِ البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها إلا هالكٌ، وكانَ كما أخبرَ عن نفسِهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ قالَ:«ما تَركتُ شيئاً يُقربُكم إلى اللهِ إلا وقد أمرتُكم به، وما تَركتُ شيئاً يُبعدُكم عن اللهِ ويُقربُكم إلى النارِ إلا وقد نَهيتُكم عنه»، فجزاهُ اللهُ عن أُمتِه خيرَ ما يَجزي نبياً عن أُمتِه.
ثم قامَ مِن بعدِه صحابتُه الكرامُ رضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ فحمَلوا الرسالةَ وجاهَدوا في اللهِ باللسانِ والسنانِ، فبلَّغوا ما سمِعوا، وبيَّنوا ونَصحوا، فجَزاهم اللهُ عمَّن بعدَهم خيرَ جزاءٍ.
ثم مِن بعدِهم لايزالُ يحملُ هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عُدولُه، يَنفونَ عنه تَحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطِلينَ وتأويلَ الجاهلينَ.
وسخَّر اللهُ في كلِّ عصرٍ لسُنةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم مَن يحفظُها ويَعيها ويُبلغُها بأمانةٍ لمن بعدَه.
فكانَ تَدوينُ السُّنة مِن وسائلِ الحفظِ والتبليغِ، فتَفننَ أهلُ الحديثِ في تدوينِ أحاديثِ المُصطفى صلى الله عليه وسلم وتَصنيفِها، فظهرَ التصنيفُ على أبوابِ الفقهِ، وعلى مَسانيدِ الصحابةِ، وظهرَت الأجزاءُ الحديثيةُ، والأَمالي والفوائدُ الحديثيةُ، وظهرَت المعاجمُ