والمشيخاتُ، وكذلكَ فإنَّ كتبَ التواريخِ والبلدانِ والطبقاتِ والرجالِ لا تَخلو مِن الأحاديثِ المسندةِ، بل إنَّ بعضَها مِن المصادرِ المعتمدةِ في ذلكَ كتاريخِ بغدادَ وتاريخِ دمشقَ وحليةِ الأولياءِ لأبي نعيمٍ.
وكما اهتمَّ أهلُ الحديثِ بتدوينِ السُّنةِ والتنوعِ في التصنيفِ والترتيبِ، اهتمُّوا أيضاً بما مِن شأنِهِ أَن يُيسِّرَ الوصولَ لما تَحويه هذه المصنفاتُ مِن الأحاديثِ والعلمِ الغزيرِ. فكانَت كتبُ الأطرافِ والزوائدِ.
ومعلومٌ أنَّ كتبَ الروايةِ تَتفاوتُ مِن حيثُ سهولةُ الوصولِ للمرادِ مِنها، فما كانَ مِنها مُصنفاً على أبوابِ الفقهِ فهو أقربُ لنيلِ المرادِ، يليهِ ما كانَ مرتباً على المسانيدِ، أمَّا الأَمالي والفوائدُ والأجزاءُ الحديثيةُ غيرُ المرتبةِ على المواضيعِ وأبوابِ العلمِ فالوصولُ لما فيها عسرٌ جداً، وكذلكَ الحالُ في كتبِ التاريخِ والرجالِ.
وكنتُ كُلما قلبتُ النظرَ في الأجزاءِ والأَمالي والفوائدِ وأَرى ما فيها مِن فوائدَ حديثيةٍ وأحاديثَ زائدةٍ ورواياتٍ وألفاظٍ لا أَجدُها في الأصولِ، أسألُ نَفسي: هل مِن سبيلٍ لتَيسيرِ الوصولِ إليها؟
وكنتُ أَمامَ طَريقينِ: جمع كلِّ الأحاديثِ المسندةِ في هذه الكتبِ وتَرتيبِها، وقَد بدأتُ بذلكَ فعلاً، ولكنْ بكتابِ حليةِ الأولياءِ لأبي نعيمٍ، وما كدتُ أقطعُ شوطاً يسيراً حتى رأيتُ أنَّ أكثرَ الأحاديثِ التي كتبتُها مِنه هي في الكتبِ الستةِ مِن نفسِ الطريقِ وبنفسِ اللفظِ، ولمَّا كنتُ لا أزالُ بعدُ في بدايةِ البدايةِ رأيتُ أَن أُحولَ عَملي إلى استخراجِ الزوائدِ (١)، أمَّا الأحاديثُ التي في الكتبِ الأُصولِ فيُمكن ضَبطُها في
(١) وهذا العدول مني من جمع الكل إلى جمع الزوائد قريب من صنيع الحافظ ابن حجر، حيث قال في المطالب العالية: فإن الاشتغال بالعلم خصوصاً الحديث النبوي من أفضل القربات، وقد جمع أئمتنا منه الشتات على المسانيد والأبواب المرتبات، فرأيت جمع جميع ما وقعت عليه من ذلك في كتاب واحد ليسهل الكشف منه على أولي الرغبات، ثم عدلت إلى جمع الأحاديث الزائدة على الكتب المشهورات في الكتب المسندات.