٥٤٨٩ - عن أبي سليطٍ - وكانَ بدريّاً - قالَ لمَّا خرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الهجرةِ ومَعه أبوبكرٍ الصديقُ وعامرُ بنُ فُهيرةَ مَولى أبي بكرٍ وابنُ أُريقطٍ يدلُّهم على الطريقِ مَرُّوا بأمِّ مَعبدٍ الخُزاعيةِ وهي لا تعرفُهُ، فقالَ لَها:«يا أمُّ معبدٍ، هلْ عندَكِ مِن لبنٍ؟» قالتْ: لا واللهِ، وإنَّ الغنَم لعازبةٌ، قالَ:«فمَا هذه الشاةُ التي أَرى» - لِشاةٍ رَآها في كفاءِ البيتِ - قالتْ: شاةٌ خلَّفَها الجَهدُ عن الغنمِ، قالَ:«أتأذَنين في حلابِها؟» قالتْ: لا واللهِ ما ضرَبَها مِن فحلٍ قطُّ، فشأنُكَ بِها، فدَعا بِها فمسحَ ظهرَها وضرْعَها، ثم دَعاها بإناءٍ يُرْبِضُ الرهطَ، فحلبَ فيهِ فملأَهُ، فسقَى أصحابَهُ عَلَلاً بعدَ نَهَلٍ، ثم حلبَ فيه آخر فغادَرَهُ عندَها وارتحَلَ، فلمَّا جاءَها زوجُها عندَ المساءِ قالَ: يا أمَّ معبدٍ: ما هذا اللبنُ ولا حلوبةَ في البيتِ والغنمُ عازبةٌ؟
قالتْ: لا واللهِ، إلا أنَّه مرَّ بِنا رجلٌ ظاهرُ الوَضاءةِ، متبلجُ الوجهِ، في أشفارِهِ وَطَفٌ، وفي عينيهِ دَعَجٌ، وفي صوتِهِ صَحَلٌ، غصنٌ بينَ غُصنينِ، لا تَشنؤُه مِن طولٍ، ولا تقتحِمُهُ مِن قِصَرٍ، لم تعلُهْ ثُجلةٌ، ولم تُزْرِ بِه صَعلَةٌ، كأنَّ عنقَهُ إبريقُ فضةٍ، إذا صمتَ فعليهِ البَهاءُ، وإذا نطقَ فعليهِ وقارٌ، له كلامٌ كخَرزاتٍ النظمِ، أَزينُ أصحابِهِ مَنظراً، وأحسنُهم وجهاً صلى الله عليه وسلم، أصحابُهُ يحفُّون بِه، إذا أمرَ ابتدَروا أمرَهُ، وإذا نَهى ايتقَفوا عند نهايتِهِ.