مكانَ كَذا وكَذا فأيقِظْني؟ قلتُ: بَلى، لكنْ إنَّما منَعَنى مِن ذلكَ مأواةً لما رأيتُ مِن دأبِكَ، قالَ: ويحَكَ يا سلمانُ، إنِّي أَكرهُ أَن يفوتَني شيءٌ مِن الدهرِ لم أعملْ للهِ عزَّ وجلَّ فيه خيراً.
ثم قالَ: اعلمْ يا سلمانُ أنَّ أفضلَ دِينٍ اليومَ النَّصرانيةُ، قلتُ: ويكونُ بعدَ اليومِ دِينٌ أَفضلُ مِن النَّصرانيةِ؟ كلمةٌ أُلقيتْ على لِساني، قالَ: نَعم يوشكُ أَن يُبعثَ نبيٌّ يأكلُ الهديةَ ولا يأكُلُ الصدقةَ، بينَ كتفَيهِ خاتمُ النبوةِ، فإِذا أدركْتَهُ فاتبعْهُ وصدِّقْه، قلتُ: وإنْ أمَرَني أَن أَدعَ النَّصرانيةَ؟ قالَ: نَعم، فإنَّه نبيٌّ لا يأمُرُ إلا بالحقِّ ولا يقولُ إلا حقاً، واللهِ لو أَدركتُه ثم أَمرني أَن أَقعَ في النارِ لوقعتُها، ثم خرَجْنا مِن بيتِ المقدسِ فمرَرْنا على ذلكِ المُقعدِ، فقالَ له: دخلتَ فلم تُعطِني وهذا تخرجُ فأعطِني، فالتفتَ فلم يجدْ حولَه أحداً، قالَ: فأعطِني يدكَ، فأَخذَ بيدِهِ فقالَ: قُمْ بإذنِ اللهِ، فقامَ صحيحاً سوياً فتوجَّهَ نحوَ أهلِهِ، فأَتبعتُه بَصري تعجباً مِما رأيتُ، وخرجَ صاحِبي فأَسرعَ المشيَ وتبعتُهُ، فتلقَّاني رفقةٌ مِن كلبٍ أعرابٍ فسبَوْني، فحَمَلوني على بعيرٍ وشدُّوني، فتداوَلَني البياعُ حتى سقطتُ إلى المدينةِ، فاشتَراني رجلٌ مِن الأنصارِ فجعَلَني في حائطٍ له مِن نخلٍ فكنتُ فيهِ.
قالَ: ومِن ثَمَّ تعلمتُ عملَ الخوصِ، أَشتري خوصاً بدرهمٍ فأَعملُه فأَبيعُه بدرهمينِ، فأَردُّ أَحدَهما في الخوصِ وأَستنفقُ درهماً، أُحبُّ أَن آكُلَ مِن عملِ يَدي - وهو يومَئذٍ أميرٌ على عِشرينَ ألفاً - فبلَغَنا ونحنُ بالمدينةِ أنَّ رجلاً قد خرجَ بمكةَ يزعمُ أنَّ اللهَ تعالى أرسَلَه، فمكَثْنا ما شاءَ اللهُ أَن نمكثَ، فهاجَرَ إِلينا وقدمَ عَلينا، فقلتُ: واللهِ لأُجرِّبنه، فذهبتُ إلى السوقِ فاشتريتُ لحمَ جَزورٍ بدرهمٍ، ثم طبختُه، فجعلتُ قصعةً مِن ثريدٍ، فاحتمَلْتُها حتى أَتيتُه بها على عاتِقي، حتى وضعتُها بينَ يديهِ، فقالَ: «ما هَذه أَصدقةٌ أم هديةٌ؟» قلتُ: بلْ صدقةٌ، فقالَ لأصحابِهِ: «كُلوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute