فدخلتْ في فيهِ، فمادَتْ في جوفِهِ، فجاءَ الرجلُ مُغضباً بيدِهِ سيفٌ يطلُبُها، فقالَ: يا شيخُ، الحيةُ التي أَناختْ بكنفِكَ وانسابتْ تحتَ قوائمِ دابتِكَ أرأيتَها؟ فقالَ حميرُ: لا، فقالَ: عظُمتْ كلمةً خرجتْ مِن فيكَ، فقالَ حميرُ: اللهمَّ غُفراً، أُخبرَك أنِّي لم أرَها فتُكذِّبني وتردُّ عليَّ لَفظي، ما جاءَ منكَ أعظمُ.
قالَ: فمَضى الرجلُ لسبيلِهِ، فقالَت الحيةُ مِن جوفِهِ: ما فعلَ الرجلُ، أيأخذُهُ بصرُكَ؟ قالَ: لا، قالتْ: أرأيتَ إذا رعيتَ حقِّي وحفظتَ ذِمامي فاخترْ مِني واحدةً مِن اثنتينِ: إمَّا أنْ أنكتَ قلبَكَ نكتةً أدعُكَ مِنها رميماً، وإمَّا أنْ أنقرَ كبدَكَ فأُخرجَها مِن أسفلِكَ قطعاً، قالَ: ما كافَأْتني، أَنقذتُكِ مِن عدوِّكِ وجعلتُ جَوفي لكِ وعاءً، فأعقَبْتِني أنْ تَنقُري كَبدي أو تَنكُتي قَلبي، فقالتْ: يا جاهلُ، اتخاذُكَ عِندي المعروفَ لأيِّ شيءٍ، واللهِ ما لي دارٌ أسكنُها ولا مالٌ أملكُهُ ولا دابةٌ أحملُكَ على ظهرِها، ولقد علمتَ عَداوتي لأبيكَ آدمَ حتى أخرجتُهُ مِن الجنةِ وأهبطتُهُ إلى الأرضِ، قالَ: أردتُ بذلكَ وجهَ الأعزِّ الأكرمِ، قالتْ: ما بُد مِن أنْ أُنزلَ بكَ النازلةَ وأُوقَع بكَ الواقعةَ، قالَ: فليكنْ ما أردتِ بي في هذا الجبلِ.
وعن يمينِهِ جبلٌ قد امتدَّ ظلُّه، وتناثرتْ ثمارُهُ، واطَّردت أنهارُه، فنزلَ عن دابتِهِ كئيباً حزيناً يَمشي في سفحِ الجبلِ قد انتَهى إلى عينٍ مِن الجبلِ، وإذا على العينِ شابٌّ كأنَّ وجهَهُ القمرُ في ليلةِ البدرِ، فقالَ: يا شيخُ، ما لي أراكَ ضعيفَ الحيلةِ قلبُكَ العزاء! قالَ: مِن عدوٍّ في جَوفي أمَّنتُه مِن عدوِّه، فأعقَبَني على أنَّه ينكتُ قَلبي أو ينقرُ كبدي، فقالَ: أتاكَ الغوثُ مِن ربِّك تباركَ وتَعالى الذي في مُلكِه يَقضي ويختارُ، قالَ: فأومأَ الفتى بيدِهِ إلى رُدنِه فاستخرجَ مِنه قطعةً فأطعَمَها الشيخَ، فاختلجتْ وَجنتاهُ، ثم أطعمَه الثانيةَ فوجدَ تمخضاً في بطنِهِ، ثم أطعمَه