للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَخزنُ لسانَهُ إلا مِما يَعنيهم ويُؤلِّفُهم ولا يُفرِّقُهم - أو قالَ: يُنفِّرُهم -، ويُكرمُ كريمَ كلِّ قومٍ ويُولِّيهِ عليهِم، ويُحذِّرُ الناسَ ويَحترسُ مِنهم مِن غيرِ أنْ يطوي عن أحدٍ بِشْرَهُ ولا خُلُقَهُ، يَتفقَّدَ أصحابَهُ ويَسألُ عمَّا في الناسِ، فيُحَسِّنُ الحسنَ ويُقويهِ، ويُقبِّحُ القَبيحَ ويُوهنُهُ، معتدلُ الأمرِ غيرُ مختلفٍ، لا يَغفلُ مخافةَ أنْ يَغفُلوا أو يَميلوا، لكلِّ حالٍ عندَهُ عَتادٌ، لا يقصرُ عن الحقِّ ولا يَجوزُهُ، الذين يَلونَه مِن الناسِ خيارُهم، أفضلُهم عندَه أَعمُّهم نصيحةً، وأعظمُهم عندَه منزلةً أحسنُهم مُواساةً ومُؤازرةً.

قالَ: فسألتُهُ عن مَجلسِهِ، فقالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَجلسُ ولا يقومُ إلا على ذكرِ اللهِ، لا يوطنُ الأماكنَ ويَنهي عن إيطانِها، وإذا انتَهى إلى قومٍ جلسَ حيثُ يَنتهي بِه المجلسُ ويأمُرُ بذلكَ، ويُعطي كُلاً مِن جلسائِهِ بنصيبِهِ، فلا يحسبُ جليسُهُ أنَّ أحداً أكرمُ عليهِ مِنه، مَن جالسَهُ أو قاوَمَهُ في حاجةٍ صابَرَهُ حتى يكونَ هو المُنصرفَ، ومَن سألَهُ حاجةً لم يردَّهُ إلا بِها أو بميسورٍ مِن القولِ، قد وسعَ الناسَ مِنه بسطُهُ وخلُقُه فصارَ لهم أباً وصارُوا عندَه في الحقِّ سواءً، مجلسُهُ مجلسُ حِلمٍ وحياءٍ وصبرٍ وأمانةٍ، لا تُرفعُ عندَه الأصواتُ، ولا تُؤْبَنُ فيه الحُرَمُ، ولا تُنْثى فَلَتاتُه، مُتعادلينَ يتفاضَلون فيه بالتَّقوى، مُتواضعينَ يُوقِّرونَ الكبيرَ، ويَرحَمون الصغيرَ، ويُؤثرونَ ذا الحاجةِ، ويَحفظونَ الغريبَ.

قالَ: قلتُ: كيفَ سِيرتُهُ في جُلسائِهِ؟ قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دائمَ السرورِ، سهلَ الخُلُقِ، ليِّنَ الجانبِ، ليسَ بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخَّابٍ ولا فحَّاشٍ ولا عيَّابٍ ولا مدَّاحٍ، يَتغافلُ عمَّا لا يَشتهي ولا يُؤيسُ مِنه ولا يُجيبُ فيهِ، قدْ تركَ نفسَهُ مِن ثلاثٍ: المراءِ والإكثارِ وما لا يَعنيهِ، وتركَ الناسَ مِن ثلاثٍ: كانَ لا يَذمُّ أحداً، ولا يُعيِّرهُ، ولا يَطلبُ عَثرتَهُ، ولا يتكلَّمُ إلا فيما رَجا ثوابَهُ، إذا تكلَّمَ أطرقَ جلساؤُه

<<  <  ج: ص:  >  >>