ثورٍ وحشيٍّ وهما يَتسايَرانِ وَيتجاذَبانِ، وخلفَهما عبدُ أسودُ يقودُ كلباً عظيماً في عنقِهِ ساجورٌ (١)، فلمَّا كانا بِإزائي صاحَ أحدُهما بالكلبِ الذي مَعي:
ويلكَ يا حيَّاض لا تصيد
عنزاً وارماً حرمها السيد
اللهُ أَعلى وله التوحيد
وعبدُه محمدٌ السديد
فكل لا يُبدي ولا يُعيد
يا ويل فَرَّاضٍ له التوكيد
أنَّى له التذكيرُ والوعيد
قالَ: فانصرفتُ وقد ذلَّ الكلبُ مَعي حتى ما يرفعُ رأسَه انكساراً أو ذُلاً، وأَتيتُ أَهلي مهموماً كاسِفاً، فأقمتُ نَهاري لا أُنبسطُ لكلامِ أحدٍ مِن أَهلي، وجاءَني الليلة فألقيتُ نَفسي على فِراشي، والكلبُ رابضٌ بإِزائي وإنِّي لأَتململُ مُفكراً فيما رأيتُ، إذ حَسستُ حساً ففتحتُ عَيني، فإذا الكلبُ الذي رأيتُ العبدَ يقودُه قد دخلَ ووثبَ إلى حَيَّاضٍ، فقالَ له: أَخْفِ ذِكرَكَ حتى أنظرَ أنائمٌ أم لا، ثم أقبلَ نَحوي فأَغمضتُ عَيني وجعلتُ أَتنفسُ بتنفسِ النائمِ، وتطاوَلَ فتأمَّلَني، ثم نكصَ عنِّي فقالَ: قد نامَ، فلا عين ولا سمع.
فقالَ: ويحكَ، ما هذا الأمرُ الذي وقَعنا فيه؟ قالَ له الكلبُ: رأيتَ الرَّجلينِ على الثورِ والعيرِ؟ قالَ: نَعم، ولقد مُلئتُ مِنهما رعباً، فقالَ: فإنَّهما عَظيما الزواجِرِ، وقد أَتيا هذا الرجلَ وصَارا على دينِهِ وسُلِّطا على شياطينِ الأوثانِ، فما يتَركانِ لِوثنٍ شيطاناً، فإمَّا أَن تخرجَ عنه أو تَهربَ عنه، وإلا قَتلاكَ عذاباً وتَنكيلاً،