بعثتُكَ لتردَّ عنِّي دعوةَ المظلومِ، فإنِّي لا أردُّها ولو كانتْ مِن كافرٍ، وكانَ فيها أمثالُ: وعلى العاقلِ أنْ يكونَ لَه أربعُ ساعاتٍ: ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه عزَّ وجلَّ، وساعةٌ يحاسِبُ فيها نفسَهُ، وساعةٌ يُفكرُ في صنعِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وساعةٌ يَخلو فيها لحاجتِهِ مِن المَطعمِ والمَشربِ، وعلى العاقلِ أَن لا يكونَ ظاعِناً إلا لثلاثٍ: تزوُّداً لمعادٍ، أو مَرَمَّةً لمعاشٍ، أو لذةً في غيرِ مُحرمٍ، وعلى العاقلِ أَن يكونَ بصيراً بزمانِهِ، مُقبلاً على شأنِهِ، حافظاً للسانِهِ، ومَن حسبَ كلامَهُ مِن عملِهِ قلَّ كلامُهُ إلا فيما يَعنيهِ».
قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فما كانت صحفُ موسى عليهِ السلامُ؟ قالَ:«كانت عِبراً كلُّها، عجبتُ لِمن أيقنَ بالموتِ ثم هو يفرحُ، عجبتُ لِمن أيقنَ بالقَدَرِ ثم هو ينصَبُ، وعجبتُ لِمن رأَى الدُّنيا وتقلُّبَها بأهلِها ثم اطمأنَّ إليها، وعجبتُ لِمن أيقنَ بالحسابِ غداً ثم هو لا يعملُ»، ثم قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فهل بأَيدينا شيءٌ مِما كانَ في يَدي إبراهيمَ وموسى عليهِما السلامُ مِما أنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليكَ؟ قالَ: «نَعمْ، إقرأْ يا أبا ذرٍّ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: ١٤ - ١٦]، إلى آخرِ هذِهِ السورةِ» يَعني أنَّ ذكرَ هذِه الآياتِ {لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}.
قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ أوصِني، قالَ:«أوصيكَ بتَقوى اللهِ فإنَّه رأسُ أمرِكَ»، قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ زدْني، قالَ:«عليكَ بتلاوةِ القرآنِ وذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فإنَّه ذكرٌ لكَ في السماءِ، ونورٌ لكَ في الأرضِ»، قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ زدْني، قالَ:«إياكَ وكثرةَ الضحكِ فإنَّه يُميتُ القلبَ ويَذهبُ بنورِ الوجهِ»، قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ زدْني، قالَ:«عليكَ بالجهادِ فإنَّه رهبانيةُ أُمتي»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ زدْ، قالَ: «عليكَ بالصمتِ إلا مِن خيرٍ، فإنَّه مَطردةٌ للشيطانِ وعونٌ لكَ على