للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فاتَني أمرٌ وأُحبُّ أَن أُدرِكَ شيئاً مِنه، فقالَ: واللهِ، إنِّي لأَمشي نحوَه وكانَ رجلاً خفيفاً حديدَ الوجهِ حديدَ البصرِ حديدَ اللسانِ إِذ خرجَ مِن بابِ المسجدِ يشتدُّ فقلتُ في نَفسي: ما لَه لعَنَه اللهُ؟ أكلُّ هَذا فرقَ مِني أَن أُشاتِمَه؟ إِذ قد سمعَ ما لم أَسمعْ، سمعَ صوتَ ضمضمِ بنِ زرعةَ بنِ عَمرو الغفاريِّ يصرخُ ببطنِ الوَادي قد جَدعَ بعيرَه وحوَّلَ رداءَهُ وشقَّ قميصَه وهو يقولُ: يا معشرَ قريشٍ، قد خرجَ محمدٌ في أصحابِهِ، ما أَراكم تُدركونَها، الغوثَ الغوثَ.

قالَ العباسُ: فشغَلَني عنه وشغَلَه عنِّي ما جاءَ مِن الأمرِ، وخَرجوا على كلِّ صَعبٍ وذَلولٍ، وأَظفرَ اللهُ عزَّ وجلَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ببدرٍ.

فقالتْ عاتكةُ بنتُ عبدِالمطلبِ في تَصديقِ رُؤياها وتكذيبِ قريشٍ لها حينَ أَوقعَ بهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

أَلم تأتِكُم الرُّؤيا بحقٍّ ويأتكم ... بتأْويلِها فلٌّ مِن القومِ هاربُ

رَأى فأَتاكُم باليَقينِ الذي أَرى ... بعَينيه ما تَفري السيوفُ القواضبُ

فقلتُم كذبتِ ولم أَكذبْ وإنَّما ... يكذِّبُني بالصدقِ مَن هو كاذبُ

وما فرَّ إلا رهبةَ القومِ مِنهم ... حكيمٌ وقَد ضاقَتْ عليهِ المذاهبُ

وقرَّ صباح القومِ عزم قلوبِهم ... فهنَّ هواءٌ والحلومُ عوازبُ

مروا بالسيوفِ المُرهَفاتِ دماءَكم ... كفافاً كما تمري السحابَ الجنائبُ

فكيفَ رَأى يومَ اللقاءِ محمداً ... بَنو عمِّه والحربُ فيها التجاربُ

ألم يَغشَهم ضرباً يحارُ لوقعِهِ ... الجبانُ وتَبدو بالنهارِ الكواكبُ

أَلا بأَبي يومَ اللقاءِ محمداً ... إذا عض مِن عون الحروبِ الغواربُ

كَما بردت أَسيافُه مِن مليكتي ... وزَعزعَ وردٌ بعدَ ذلكَ صالبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>