المؤمنينَ، إنْ أردتَّ النجاةَ غداً مِن عذابِ اللهِ فليكُن كبيرُ المسلمينَ عندَك أباً، وأوسطُهم عندَك أخاً، وأصغرُهم عندَك ولداً، فأكرمْ أباكَ، ووقِّرْ أخاكَ، وتحنَّنْ على ولدِكَ، وقالَ له رجاءُ بنُ حَيوةَ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنْ أردتَّ النجاةَ غداً مِن عذابِ اللهِ فأحبَّ للمسلمينَ ما تُحبُّ لنفسِكَ، واكرهْ لهم ما تكرهُ لنفسِكَ، ثم مُت إذا شئتَ، وإنِّي لأَقولُ لك هذا، وإنِّي لأَخافُ عليكَ أشدَّ الخوفِ يوماً تَزلُّ فيه الأقدامُ، فهل معكَ مثلُ هؤلاءِ رحمَكَ اللهُ مَن يأمُرُك بمثلَ هذا؟
قالَ: فبكى هارونُ حتى غُشيَ عليه، فقلتُ: ارفقْ بأميرِ المؤمنينَ رحمَكُ اللهُ، فقالَ: يا ابنَ الربيعِ، تقتُلُه أنتَ وأصحابُك وأَرفُقُ بِه أنا، قالَ: فأَفاقَ هارونُ ثم استَوى جالساً فقالَ: زدْني، فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، بلَغَني أنَّ والياً لعمرَ بنِ عبدِالعزيزِ شُكيَ، فكتبَ إليه: يا أَخي، اذكرْ طولَ سهرِ أهلِ النارِ في النارِ مع خلودِ الأبدِ، فإنَّ أجلَكَ يطردُكَ إلى الموتِ نائماً ويقظان، وإياكَ أنْ ينصرفَ بك مِن عندِ اللهِ فيكونَ آخرَ العهدِ ومنقطعَ الرجاءِ، فلمَّا قرأَ الكتابَ طوى البلادَ حتى قدمَ على عمرَ، فقالَ له: ما أقدَمَكَ؟ قالَ: قد خلعْتَ قلبي بكتابِكَ، لا وليتُ وِلايةً حتى أَلقى اللهَ عزَّ وجلَّ.
فبكى هارونُ حتى غُشيَ عليه، ثم استَوى جالساً فقالَ: زدْني، فقالَ: إنَّ أباكَ عمَّ المُصطفى سألَ المُصطفى عليهما السلامُ فقالَ: أمِّرْني، فقالَ:«يا عباسُ، يا عمَّ رسولِ اللهِ، نفسٌ تُنجيها خيرٌ مِن إمارةً لا تُحصيها، وإنَّ الإمارةَ حسرةٌ وندامةٌ يومَ القيامةِ».
قالَ: زدْني، قالَ: يا حسنَ الوجهِ أنتَ الذي يسألُكَ اللهُ عن هذا الخلقِ يومَ القيامةِ، فإن استطعتَ أنْ تقيَ هذا الوجهَ الحسنَ مِن النارِ فافعلْ، ولا تصبحْ وتُمسي وفي قلبِكَ لأحدٍ مِن أهلِ وِلايتكَ غشٌّ،
فإنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَن ولي أُمةً مِن المسلمينَ فأصبحَ