للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميعاً على كتمانه حين استخلاف أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ومثل هذا بعيد ومستحيل في العادة والواقع، فانفراد الرَّافِضَة بنقل هذا الحديث دُونَ جماهير المُسْلِمِينَ دليل على كذبهم فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَمِنْ هَذَا الْبَابِ نَقْلُ النَّصِّ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ هَذَا النَّصَّ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، وَلاَ نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَهُ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ مَعَ تَنَازُعِ النَّاسِ فِي الخِلاَفَةِ، وَتَشَاوُرِهِمْ فِيهَا يَوْمَ السَّقِيفَةِ، وَحِينَ مَوْتِ عُمَرَ، وَحِينَ جُعِلَ الأَمْرُ شُورَى بَيْنَهُمْ فِي سِتَّةٍ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ، فَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّصِّ لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ نَصًّا جَلِيًّا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ عَلِمَهُ المُسْلِمُونَ، لَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَنْقُلَهُ النَّاسُ نَقْلَ مِثْلِهِ، وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، بَلْ أَكْثَرِهِمْ، فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الهِمَمُ عَلَى ذِكْرِهِ فِيهَا غَايَةَ التَّوَفُّرِ، فَانْتِفَاءُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لاَزِمٌ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَلْزُومٌ» (١).

وقال ابن حزم: «وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ رِوَايَةً عَنْ أَحَدٍ فِي هَذَا النَّصِّ المُدَّعَى إِلاَّ رِوَايَةً وَاهِيَةً عَنْ مَجْهُولٍ إِلَى مَجْهُولٍ يُكَنَّى أَبَا الْحَمْرَاءِ لاَ نَعْرِفُ مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ».

قال ابن أبي الحديد (٢): «وَاعْلَمْ أَنَّ الآثَارَ وَالأَخْبَارَ فِي هَذَا البَابِ كَثِيْرَةٌ جِدًّا، وَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَأَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَصٌّ صَرِيحٌ وُمَقْطُوعٌ بِهِ لاَ تَخْتَلِجُهُ الشُّكُوكُ وَلاَ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الاحْتِمَالاَتُ كَمَا تَزْعُمُ الإِمَامِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - نَصًّا صَرِيحًا جَلَيًّا لَيْسَ بِنَصِّ يَوْمِ الغَدِيرِ وَلاَ خَبَرَ المَنْزِلَةِ وَلاَ مَا شَابَهَهُمَا مِنَ الأَخْبَارِ الوَارِدَةِ مِنْ طُرُقِهِ العَامَّةِ وَغَيْرِهَا، بَلْ نَصَّ عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ وَبِإِمْرَةِ المُؤْمِنِينَ، وَأَمَرَ المُسْلِمِينَ أَنْ يُسَلِّمُوْا عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِهَا، وَصَرَّحَ لَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَقَامَاتِ بِأَنَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَلاَ رَيْبَ بِأَنَّ المُنْصِفُ إِذَا سَمِعَ


(١) " منهاج السُنّة ": ٤/ ١١٨.
(٢) " شرح نهج البلاغة ": ١/ ١٣٥.