٧ - اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم: على الفعل الصغير، والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير، وقد أكثر القصاص من مثل هذا النوع ترقيقاً لقلوب الناس وإثارة لتعجبهم، مثل «مَنْ صَلَّىَ الضُّحَى كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً أُعْطِيَ ثَوَابَ سَبْعِينَ نَبِيًّا» ومثل «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى لَهُ طَائِرًا لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ».
هذه أهم القواعد التي وضعها العلماء لنقد الحديث ومعرفة صحيحه من موضوعه، ومنه ترى أنهم لم يقتصروا في جهدهم على نقد السند فقط أو يوجهوا جل عنايتهم إليه دُونَ المتن، كما سيأتي في زعم بعض المُسْتَشْرِقِينَ ومشايعيهم، بل كان نقدهم مُنْصَبًّا على السند والمتن على السواء، ولقد رأيت كيف جعلوا لأمارات الوضع أربعاً منها في السند، وسبعاً منها في المتن، ولم يكتفوا بهذا، بل جعلوا للذوق الفني مجالاً في نقد الأحاديث وردها أو قبولها، فكثيراً مَا رَدُّوا أحاديث لمجرد سماعهم لها، لأن مَلَكَتَهُمْ الفنية لم تستسغها ولم تقبلها، ومن هذا كثيراً ما يقولون:«هَذَا الحَدِيثُ عَلَيْهِ ظُلْمَةٌ، أَوْ مَتْنُهُ مُظْلِمٌ، أَوْ يُنْكِرُهُ القَلْبُ، أَوْ لاَ تَطْمَئِنُّ لَهُ النَّفْسُ» وليس ذلك بعجيب فقد قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: «إِنَّ مِنَ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ضَوْءٌ [كَضَوْءِ النَّهَارِ] نَعْرِفُهُ بِهِ، وَإِنَّ مِنَ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ظُلْمَةٌ كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ نَعْرِفُهُ بِهَا»(١) ويقول ابن الجوزي: «الحَدِيثُ المُنْكَرُ يَقْشَعِرُّ لَهُ جَلْدُ الطَّالِبِ لِلْعِلْمِ، وَيَنْفِرُ مِنْهُ قَلْبُهُ فِي الْغَالِبِ». وسيأتي معنا مزيد بيان لهذا البحث عند التعرض لِشُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ وأشياعهم.