وتآليفهم العظيمة الخالدة. فقد ابتدأ التأليف في هذا القرن على طريقة المسانيد: وهي جمع ما يروى عن الصحابي في باب واحد رغم تَعَدُّدِ الموضوع، وأول من فعل ذلك عبد الله بن موسى العبسي الكوفي، وَمُسَدِّدْ البَصْرِيِّ، وأسد بن موسى، ونُعيم بن حماد الخزاعي، ثم اقتفى أثرهم الحُفَّاظُ فصنف الإمام أحمد " مسنده " المشهور وكذلك فعل إسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة وغيره، وكانت طريقة هؤلاء في التأليف أن يفردوا حديث النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتأليف دُونَ أقوال الصحابة وفتاوى التَّابِعِينَ، ولكنهم كانوا يمزجون فيها الصحيح بغيره، وفي ذلك من العناء ما فيه على طالب التحديث، فإنه لا يستطيع أن يتعرف على الصحيح منها إلا أن يكون من أئمة الشأن، فإن لم يكن له وقوف على ذلك اضطر إلى أن يسأل أئمة الحديث فإن لم يتيسر له بقي الحديث مجهول الحال عنده.
وهذا هو ما حدا بإمام المُحَدِّثِينَ وَدُرَّةَ السُنَّةِ في عصره محمد بن إسماعيل البخاري (- ٢٥٦ هـ) أن ينحو في التأليف مَنْحًى جديداً بأن يقتصر على الحديث الصحيح فقط دُونَ ما عداه، فألَّفَ كتابه " الجامع الصحيح " المشهور، وتبعه في طريقته معاصره وتلميذه الإمام مُسْلِمٌ بْنُ الحَجَّاجِ القُشَيْرِيُّ (- ٢٦١ هـ) فألَّفَ " صحيحه " المشهور، وكان لهما فضل تمهيد الطريق أمام طالب الحديث ليصل إلى الصحيح من غير بحث وسؤال، وتبعهما بعد ذلك كثيرون، فأُلِّفَتْ بعدهما كتب كثيرة من أهمها:" سُنن أبي داود "(- ٢٧٥ هـ) و" النسائي "(- ٣٠٣ هـ) و" جامع الترمذي "(- ٢٧٩ هـ) و" سُنن ابن ماجه "(- ٢٧٣ هـ) وقد جمع هؤلاء الأئمة في مُصَنَّفَاتِهِمْ كُلَّ مُصَنَّفَاتِ الأئمة السابقين، إذ كانوا يروونها كما هي عادة المُحَدِّثِينَ، ثم جاء القرن الرابع فلم يزد رجاله على رجال القرن الثالث شيئاً جديداً إلا قليلاً مِمَّا استدركوه عليهم، وكل صنيعهم جمع ما جمعه من سبقهم. والاعتماد على نقدهم، والإكثار من طرق الحديث، ومن أشهر الأئمة في هذا العصر الإمام سليمان بن أحمد الطبراني (- ٣٦٠ هـ) ألَّفَ معاجمه الثلاثة: ١ - " الكبير " وذكر فيه الأحاديث بجمع ما رواه كل صحابي على حدة، وَرَتَّبَ فيه الصحابة على الحروف وهو مشتمل على خمسمائة