بعضهم بعضاً على ما آتاهم الله من خير وبركة، فحسبهم من الخير المشترك بينهم جميعاً، أنهم أصحاب رسول كريم، ودعاة شرع قويم، أنقذهم الله من الضلالة إلى الهدى فكانوا أسعد الناس وأحسنهم حالاً.
ولما توفي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أول خلاف وقع بين الصحابة اختلافهم فيمن يتولى الخلافة عنه، ومع أنه كان خلافاً في أمر من أشد شؤون الجماعات والأمم خطراً، وهو الرئاسة العليا للدولة، فقد كان حديثهم وتبادلهم للآراء ودفاع كل منهم عن رأيه، وانتهاؤهم إلى الرأي الذي وافقوا عليه جميعا، لقد كان كل ذلك عجباً من العجب، في ضبط النفس، وحُسن الأداء، وحرمة الصحبة، ونشدان الحق، لا تعرف له مثيلا في تاريخ المجالس النيابية في العصر الحاضر، فكيف بتلك العصور التي لم تعرف فيها الأمم مبدأ الشورى، ولا كان للشعوب حق في اختيار وُلاَّتِهَا وأمرائها، إنك لتقرأ في مصادر التاريخ الصحيحة أخبار سقيفة بني ساعدة، كيف اجتمع فيها الأنصار عقب وفاة الرسول ليختاروا من بينهم أمير المُسْلِمِينَ وخليفته من بعده، وكيف سارع شيوخ المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وأبو عُبيدة، إلى إخوانهم الأنصار، وكيف استمعوا إلى حُجَجِهِمْ بأدب واحترام، وكيف أدلى أبو بكر برأيه ورأي المهاجرين، فوفَّى الأنصار حقهم من فضل النصرة للإسلام والذود عن رسول الله وإيواء المهاجرين والترحيب بهم، ثم ذكر فضل المهاجرين بلا تَبَجُّحٍ ولا غرور، وذكر أن العرب لا يدينون إلا لهذا الحي من قريش، وأنه إن كان الأمير من الأوس نفست عليهم الخزرج، وإن كان من الخزرج نفّست عليهم الأوس، ثم كيف عدل الأنصار عن رأيهم في الانفراد بالخلافة إلى أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير، وكيف أجابهم المهاجرون بأن هذا أول الوهن والضعف، وكيف اقترح أبو بكر على الحاضرين أن يبايعوا عمر أو أبا عُبيدة، فإذا عمر يقول لأبي بكر:«أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي»، فيقول أبو بكر لعمر:«وَلَكِنَّكَ أَقْوَى مِنِّي»، فيقول عمر:«إِنَّ قُوَّتِي مَعَ فَضْلِكَ»، ثم يسرع فيبايع أبا بكر فيبايعه المهاجرون، فيتسابق الأنصار إلى مبايعته حتى إنهم ليكادون يطؤون زعيمهم «سعد بن عُبادة»، وهو الذي كان مُرَشَّحًا منهم للخلافة، فينتهي الأمر بإجماع من في