للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السقيفة على مبايعة أبي بكر فَيُبَايِعُهُ الجمهور بعد ذلك، إلا عَلِيًّا وَنَفَرًا معه تَرَيَّثُوا قليلاً ثم بايعوا.

وبذلك تمت الخلافة له وانتهى هذا المشكل الخطير دُونَ أن تراق قطرة دم أو تشتبك الأحزاب فيما بينها، أو توغر الصدور بالتهم الباطلة والتحامل المثير، إنك لتقرأ هذا وأمثاله، فإذا هو يعطيك صورة واضحة لأدب القوم وَسُمَوِّ نفوسهم وتماسك مجتمعهم، وقوة صِلاَتِ التعاون والإخاء فيما بينهم، واستمر الأمر على ذلك طيلة خلافة أبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان، يتعاونون على الخير في أوسع معنى التعاون، ويتناصحون بالمعروف في أروع صور التناصح، ويختلفون في التشريع في أدق معاني الاختلاف، ثم لا يصرفهم عن الجهر بالحق صداقة ولا مجاملة ولا رئاسة ولا فضل، صرحاء صراحة العربي الذي لا يعرف نفاقاً ولا خداعاً، أدباء أدب الحضري الذي لا يعرف قسوة ولا فظاظة، متعاونون تعاون الإخوة لا يعرفون عُلُوًّا ولا استكباراً، مطيعون طاعة الجندي لا يعرفون تمرداً ولا اختلافاً، بَنَّاؤُونَ في كيان الدولة الجديدة والشرع الجديد وَالأُمَّةِ الجديدة، كَأَتَمِّ ما يكون البَنَّاؤُونَ دقة نظر، وسعة علم، وبذل جُهْدٍ، واستقصاء وسيلة، حتى إذا كانت الفتنة أواخر خلافة عثمان، واندس بينهم أعداء الله من يهود وأعاجم تظاهروا بالإسلام، وكان ما قضى اللهُ به من مقتل الخليفة الثالث ثم الخليفة الرابع، ثم استتب الأمر لمعاوية، هناك رأينا ألْسِنَةَ السُّوءِ تتطاول على هؤلاء الأصحاب، وَتَتَسَتَّرُ بِحُبِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، لتروي غيظها مِمَّنْ أقاموا قواعد الدين الجديد بسواعدهم ودمائهم وأرواحهم، وكما تطاول المتظاهرون بِالتَشَيُّعِ لِعَلِيٍّ تطاول الخوارج أيضاًً بعد التحكيم، وكَفَّرُوا جمهور الصحابة الموجودين يومئذ، لأنهم خالفوا أمر الله في زعمهم ومن خالف أمر الله كفر، بينما وقف الجمهور من اختلافات الصحابة موقف المعتدل، فهم يرون أن الخلفاء الثلاثة أحق من عَلِيٍّ بالخلافة، ويرونه أحق من معاوية بها، ولكنهم مع تأييدهم للخلفاء قبل عَلِيٍّ ثم لِعَلِيٍّ مع معاوية، يلتزمون جانب الأدب مع جميع هؤلاء الصحاب، فيعتذرون لِلْمُخْطِئِ منهم بأنهم مجتهدون فيما قاموا به، ولا إثم على المجتهد فيما يخطئ ما دام الحق رائده، وهؤلاء الأصحاب لهم من بلائهم في الإسلام، وخدمتهم في نشر لوائه، وتفانيهم