للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- يُجَرِّحُونَ أبا بكر وعمر وعثمان ومن شايعهم من جمهور الصحابة، وَيُجَرِّحُونَ عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ومن انغمس معهم في اغتصاب الخلافة من عَلِيٍّ، وبالأحرى أنهم يُجَرِّحُونَ جمهور الصحابة إلا نفراً مِمَّنْ عرفوا بولائهم لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وقد ذكر بعضهم أنهم خمسة عشر صحابياً فقط وأقاموا على ذلك مذهبهم من رَدِّ أحاديث جمهور الصحابة، إلا ما رواه أشياع عَلِيٍّ منهم، على أن تكون رواية أحاديثهم من طرق أئمتهم لاعتقادهم بعصمتهم، أو مِمَّنْ هو على نحلتهم، والقاعدة العامة عندهم أن من لم يوال عَلِيًّا فقد خان وَصِيَّةَ الرسول، ونازع أئمة الحق، فليس أهلاً للثقة والاعتماد، وقد خالف جمهور الشِّيعَةِ في هذا الرأي فريق منهم، وهم الزيدية القائلون بتفضيل عَلِيٍّ على أبي بكر وعمر، مع الاعتقاد بصحة خلافتهما والإشادة بفضلهما، وهؤلاء يعدون أكثر طوائف الشِّيعَةِ اعتدالاً، وفقههم قريب من فقه أَهْلِ السُنَّةِ.

رَأْيُ الجُمْهُورِ:


أما جمهور المُسْلِمِينَ فقد حكموا بعدالة الصحابة جميعاً، سواء منهم من كان قبل الفتنة أو بعدها، وسواء منهم من انغمس فيها أو جَانَبَهَا، ويقبلون رواية العدول الثقات عنهم، إلا ما جاء عن طريق أصحاب عَلِيٍّ فإنهم لا يقبلون منها إلا ما كان من رواية أصحاب عبد الله بن مسعود، لأنهم ثقات مأمونون لم يستجيزوا الكذب على عَلِيٍّ كما فعل أشياعه من الرَّافِضَةِ.
كان من آثار هذا الاختلاف في النظر إلى الصحابة أن هُوجِمَتْ السُنَّةُ التي جمعها الجمهور وَحَقَّقَهَا أئمتهم وَنُقَّادُهُمْ، منذ عصر الصحابة حتى عصر الجمع والتدوين، من قبل الشِّيعَةِ التي وصمت أحاديث الجمهور بالكذب والوضع، وخاصة ما كان منها في فضائل الصحابة الذين يخاصمهم جمهور الشِّيعَةِ، ولم يقبلوا من أحاديث أَهْلِ السُنَّةِ إلا ما وافق أحاديثهم التي يروونها عن أئمتهم المعصومين في نظرهم، وبذلك حكموا على أحاديث بالوضع هي عند الجمهور من أرقى طبقات الصحيح، وخذ لذلك مثلاً الحديث الذي أخرجه البخاري من «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِسَدِّ كُلَّ خَوْخَةٍ تُطِلُّ عَلَى المَسْجِدِ مِنْ بُيُوتِ الأَصْحَابِ، إِلاَّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ»، فهذا الحديث الذي استكمل شرائط الصحة عند الجمهور وارتفع عن مستوى الضعف أو الشك في نظر النقد العِلْمِيِّ الصحيح، هو عند الشِّيعَةِ مكذوب