للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موضوع لمقابلة حديث زعموا صحته وهو أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَنْ تُسَدَّ الأَبْوَابَ كُلَّهَا إِلاَّ بَابَ عَلِيٍّ، وخذ لذلك مثلاً آخر يَدُلُّكَ على العكس، وهو حديث «غَدِيرِ خُمْ» (١)، فهذا الحديث يكاد يكون عُمْدَةُ المَذَاهِبِ الشِّيعِيَّةِ كلها ودعامتها الأولى، والأساس الذي أقاموا عليه نظرتهم إلى الصحابة وخصومتهم للخلفاء الثلاثة وأشياعهم من جمهور الصحابة، هو عند أَهْلِ السُنَّةِ حديث مكذوب لا أساس له، لَفَّقَهُ غُلاَةُ الشِّيعَةِ لِيُبَرِّرُوا به هجومهم وَتَجَنِّيهِمْ على صحابة رسول الله، وقد قدمنا لك كيف قضت القواعد التي وضعها أئمة الجمهور لنقد الحديث بكذب هذه الرواية، وأعتقد أنه لا يسع المنصف المحايد من موافقة الجمهور على ذلك، إذ أن العقل يحكم باستحالة كتمان جمهور الصحابة أمر الوصية التي زعم الشِّيعَةُ أنها كانت علانية على ملأ منهم، كما يحكم باستحالة اتفاقهم على غمط عَلِيٍّ، وكتمانهم أمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم الذين بلغ حرصهم على نشر دين الله وتأدية أحكامه كاملة غير منقوصة، أن يجهروا بالحق مع وُلاَّتِهِمْ دُونَ أن يخافوا حساباً أو عقاباً، هذا في أمور بسيطة كَمُهُورِ النِّسَاءِ أو القعود في خطبة الجمعة، فكيف بوصية أوصى بها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحابته جميعاً وَعَيَّنَ من يكون الخليفة من بعده؟! .. ومعلوم أن مخالفة الرسول عن عمد عصيان وفسق إلا إذا كان مع استحلال فيكون كفراً، ليت شعري إذا كذب صحابة الرسول جميعاً على رسول الله وكتموا أمره بالوصاية لِعَلِيٍّ حتى أصبحوا جميعاً فُسَّاقًا أو كفاراً، كيف نطمئن إلى هذه الشريعة التي لم تُرْوَ إلا عن طريقهم؟ وهل يليق برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون صحابته كَذَّابِينَ مُخَادِعِينَ اجتمعوا كافتهم على كتمان الحق ومناصبة صاحبه العداء؟

وكما وقف الشِّيعَةُ من حديث الجمهور ذلك الموقف، كذلك وقف الخوارج موقفاً شبيهاً به، وهم وإن لم ينغمسوا في رذيلة الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما فعل أَغْمَارُ الشِّيعَةِ، نظراً لصراحتهم وتقواهم وبداوة طباعهم وَبُعْدِهِمْ عن الأخذ بمذهب التَّقِيَّةِ الذي يؤمن به الشِّيعَةُ، لكنهم خالفوا الجمهور في مواقف


(١) سيأتي مزيد من الكلام على هذين الحديثين في الفصل الخاص بمناقشة أحمد أمين فيما كتبه في " فجر الإسلام ".