للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تشريعية كثيرة فرويت عنهم أحكام غريبة، مِثْلَ إِبَاحَتِهِمْ الجَمْعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وإنكارهم حكم الرجم الوارد في السُنَّةِ، ولم يكن سبب ذلك كما زعم بعض الكاتبين جهلهم بالدين وجرأتهم على الله واستحلالهم لما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ، بل كان سببه ما ذهبوا إليه من رَدِّ الأحاديث التي خرجت بعد الفتنة أو التي اشترك رُوَّاتُهَا بالفتنة. وإنه لبلاء عظيم أن تسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا في النزاع مع عَلِيٍّ ومعاوية، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم، وهم في هذا الرأي لاَ يَقِلُّونَ عن الشِّيعَةِ خَطَرًا وَفَسَادَ رَأْيٍ وَسُوءَ نَتِيجَةٍ، وإذا كان مدار الاعتماد على الرواية هي صدق الصحابي وأمانته، فيما نقل - وقد كان ذلك موفوراً عندهم - وكان الكذب أبعد شيء عن طبيعتهم ودينهم وتربيتهم، فما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم؟ أليس ذلك كمن يُسْقِطُ زعيماً وطنياً أبلى في القضية الوطنية أحسن البلاء وناضل الاستعمار بقلمه وماله ونفسه، من عداد الزعماء وَيُجَرَّدُ مِنْ صِفَةِ الوَطَنِيَّةِ، وينكر فضائله كلها، ويرد أخباره كلها، لأنه كان زعيم حزب تولى الحكم فأخطأ، أو لأنه حارب زعيماً وطنياً آخر وناصبه العداء، إذا كان هذا لا يجوز في حكم التاريخ والإنصاف والحق، فأولى أَلاَّ يجوز حكم الشِّيعَةِ وَالخَوَارِجِ على الصحابة الذين لم يوافقوا عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في بعض المواقف السياسية، بإسقاط عدالتهم، وتجريحهم في مروياتهم، ووصمهم بأوصاف لا تليق بعامة الناس، فكيف بأصحاب رسول الله الذين كان لهم في خدمة الإسلام والرسول قدم صدق، لولاها لَكُنَّا نتيه في ظلمات ولا نعرف كيف نهتدي سبيلاً؟

خلاصة القول: أن السُنَّةَ الصحيحة لقيت من عنت الشِّيعَة والخوارج عناء كبيراً، وكان لآرائهم الجامحة في الصحابة أثر كبير في اختلاف الآراء والأحكام في الفقه الإسلامي، وفيما أثير حول السُنَّةِ من شبه، سَتَطَّلِع عليها عند الكلام عن شُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ وأشياعهم.