من انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده، ونبع الماء من بين أصابعه، ليتوصل من ذلك إلى إنكار نبوته ثم أنه استثقل أحكام شريعة الإسلام في فروعها ولم يجسر على إظهار رفعها، فأبطل الطرق الدالة عليها، فأنكر لأجل ذلك حُجِيَّةَ الإجماع وحُجِيَّةَ القياس في الفروع الشرعية، وأنكر الحُجَّةَ في الأخبار التي لا توجب العلم الضروري، ثم إنه علم إجماع الصحابة على الاجتهاد في الفروع فذكرهم بما يقرؤه غداً في صحيفة مخازيه، وطعن في فتاوى أعلام الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وجميع فِرَقِ الأُمَّةِ مِنْ فَرِيقَيْ الرَّأْيِ وَالحَدِيثِ مَعَ الخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَالنَجَّارِيَّةِ (١).
ثم ذكر الإمام البغدادي أن أكثر المعتزلة متفقون على تكفير النَظَّامِ، ولم يتبعه في ضلالته إلا نفر قليل، كالأسواري وابن حايط وفضل الحدثي والجاحظ مع مخالفتهم له في بعض ضلالاته، وقد قال بتكفيره أكثر شيوخ المعتزلة، منهم: أبو الهذيل والجُبَّائِي والإسكافي وجعفر بن حرب في كتب خاصة ألفوها للرد على ضلالاته.
ثم أخذ يسرد بعض فضائحه فقال في الفضيحة السادسة عشرة قوله:«بأن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذباً، هذا مع قوله بأن من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضروري، وقد كَفَّرَهُ أصحابنا مع موافقيه في الاعتزال في هذا المذهب الذي صار إليه». ثم قال في الفضيحة السابعة عشرة:«تجويزه إجماع الأُمَّةِ في كل عصر وفي جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأي والاستدلال، ويلزمه على هذا الأصل ألاَّ يثق بشيء مِمَّا اجتمعت الأُمَّةُ عليه لجواز خطئهم فيه عنده، وإذا كانت أحكام الشريعة منها ما أخذه المُسْلِمُونَ عن خبر متواتر ومنها ما أخذوه عن أخبار الآحاد، ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس، وكان النظام دافعاً لحُجةالتواتر ولحُجة الإجماع، وقد أبطل القياس وخبر الواحد إذا لم يوجد العلم الضروري، فكأنه أراد إبطال فروع الشريعة لإبطاله طرقها».
(١) هم أتباع الحُسَيْن بْنِ مُحَمَّدٍ النَجَّارْ كان من أصحاب بِشْرٍ المَرِيسِيِّ نَاظَرَ النَظَّامَ فلم يفلح فمات متأثراً حوالي سَنَةَ ٢٣٠. وقد وافقوا أصحابنا في أصول، ووافقوا القَدَرِيَّةَ في أصول وانفردوا بأصول لهم. اهـ من " الفرق " ص ١٢٦.