للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوَّلَهُمَا - ما فتحه رؤساء المعتزلة من ثغرات في مكانة الصحابة استطاع منها أن يلج المُتَعَصِّبُونَ من المُسْتَشْرِقِينَ حمى أولئك الذادة الميامين من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يجرؤوا على رميهم بالكذب والتلاعب في دين الله، مستندين إلى ما افتراه النَظَّامُ وأمثاله عليهم، وما استطال بلسانه على مقامهم، وقد تبع المُسْتَشْرِقِينَ في هذا بعض الكُتَّابِ المُسْلِمِينَ، كما ستطلع عليه من صنع الأستاذ أحمد أمين وبعض أدعياء العلم المغرورين.

ثَانِيهِمَا - أن جمهور المعتزلة كانوا في الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، حتى إن بشراً المريسي الذي كان من أبرز رؤوس المعتزلة في عصره، قالوا: إنه كان في الفقه على رأي أبي يوسف القاضي، غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف (١) فلما أشرعت الخصومة بين أهل الحديث وأهل الاعتزال جَرَّحَ المُحَدِّثُونَ كُلَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَجَرَّ ذلك بعض المُغَالِينَ منهم إلى أَنْ يُجَرِّحَ كثيرًا من أصحاب أبي حنيفة بِحُجَّةِ أنهم يقولون بالرأي. ولا ذنب لهم إلا أن مذهب أبي حنيفة كان مذهب خصومهم المعتزلة، حتى إن أبا حنيفة نفسه لم يسلم من أذى الذين جاؤوا بعده من أولئك المُحَدِّثِينَ، فلقد نسبوا إليه القول بِخَلْقِ القُرْآنِ (٢) مع أن الثابت عنه بنقل الثقات غير ذلك ومع أن محمد بن الحسن كان يقول: «مَنْ صَلَّى خَلْفَ المُعْتَزِلِيَّ يُعِيدُ صَلاَتَهُ». وسُئِلَ أبو يوسف عن المعتزلة فقال: «هُمْ الزَّنَادِقَةُ» (٣).

وهكذا أصابت شظايا هذه المعركة فريقاً من أئمة المُسْلِمِينَ بغير أن يسهموا فيها، وكان من الممكن ألاََّّ تصل إلى ما وصلت إليه لولا تَدَخُّلِ ثلاثة من خلفاء بني العباس في إيقاد جذوتها. والأمر لله من قبل ومن بعد.


(١) " الفرق بين الفرق ": ص ١٢٤.
(٢) " تأنيب الخطيب " للكوثري: ص ٥٢.
(٣) هكذا نقل صاحب " الفرق بين الفرق ": ص ١٠٣.