للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمْرِهِمَا وَمُوجِبًا لِطَاعَةِ أَحَدٍ دُونَهُمَا فَهُوَ كَافِرٌ لاَ شَكَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ».

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (١): «وَلَوْ أَنَّ امْرُءًا قَالَ: لاَ نَأْخُذُ إِلاَّ مَا وَجَدْنَا فِي القُرْآنِ لَكَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَلَكَانَ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً مَا بَيْنَ دُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَأُخْرَى عِنْدَ الفَجْرِ، لأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَلاَةٍ، وَلاَ حَدَّ لِلأَكْثَرِ فِي ذَلِكَ، وَقَائِلٌ هَذَا كَافِرٌ مُشْرِكٌ حَلاَلُ الدَّمِ وَالمَالِ، وَإِنِّمَا ذَهَبَ إِلَىَ هَذَا غَالِيَةٌ الرَّافِضَةِ مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى كُفْرِهِمْ».

وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ: «إِنَّ مِنْ غَالِيَةٌ الرَّافِضَةِ مَنْ ذَهَبُوا إِلَى إِنْكَارِ الاحْتِجَاجِ بِالسُنَّةِ وَالاقْتِصَارِ بِالقُرْآنِ لأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النُّبُوَّةَ لِعَلِيٍّ وَأَنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ فِي نُزُولِهِ إِلَى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (٢).

ثَالِثاً - تتلخص حُجَّةُ من يَرُدُّ الأخبار كلها كما حكاه الشافعي في قولهم: إن القرآن جاء تِبْيَانًا لكل شيء فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لَمْ تَرِدْ في القرآن، كان ذلك معارضة من ظَنِيِّ الثبوت، وهي الأخبار لِقَطْعِيِّهِ - وهو القرآن - والظَّنِيِّ لا يقوى على معارضة القَطْعِيِّ، وإن جاءت مُؤَكِّدَةً لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا لِلْسُنَّةِ، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن، كان ذلك تِبْيَانًا لِلْقَطْعِيِّ الذي يَكْفُرُ مُنْكِرُ حَرْفٍ مِنْهُ بِظَنِّيٍّ لاَ يَكْفُرُ مَنْ أَنْكَرَ ثُبُوتَهُ، وهذا غير جائز.

وربما يتبادر إلى الذهن أنهم على هذا يقبلون المتواتر من الأخبار لأنها قطعية الثبوت فكيف عَمَّمَ الشافعي بقوله: «رَدَّ الأْخْبَارَ كُلَّهَا»؟ والذي يظهر أنهم لا يعتبرون المتواتر قَطْعِيًّا أَيْضًا بل هو عندهم ظني، لأنه جاء من طرقٍ آحادها ظنية، فاحتمال الكذب في رُوَّاتِهِ لا يزال قائماً، ولو كانوا جمعاً عظيماً، وإذا صَحَّ ما ذهب إليه «الخضري» من أن قائل هذا القول معتزلي، وَصَحَّ ما نسب إلى النَظَّامِ مِمَّا يأتي معنا بَعْدُ من إنكاره إفادة المتواتر القطع، تأكد لك ما نقوله ويؤكده اعتراف الخصم بأن من لا يقبل الخبر يلزمه بأن من جاء بما يقع عليه اسم صلاة فقد أدى ما عليه، ومعنى ذلك أنه يلزمهم عدم القول بعدد الركعات في الصلاة وهي من المتواتر المُجْمَعِ عَلَيْهَا.


(١) " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم الأندلسي: ٢/ ٨٠.
(٢) " مفتاح الجنة ": ص ٣.