معهم ابن سعيد بن العاص، وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وأمره أن يقاتل من أطاعه من عصاه (١)، ويعلمهم ما فرض الله عليهم، ويأخذ منهم ما وجب عليهم لمعرفتهم بـ «معاذ» ومكانه منهم وَصِدْقِهِ، وكل من وَلَّى فقد أمره بأخذ ما أوجب الله على من وَلاَّهُ عليه، ولم يكن لأحد عندنا في أحد مِمَّنْ قدم عليهم من أهل الصدق، أن يقول: أنت واحد، وليس لك أن تأخذ منا ما لم نسمع رسول الله يذكر أنه علينا، ولا أحسبه بعثهم مشهورين في النواحي التي بعثهم إليها بالصدق إلا لما وصفت، من أن تقوم بمثلهم الحُجَّةُ على من بعثه إليه.
١٢ - وفي شبيه بهذا المعنى أمراء سرايا رسول الله، فقد بَعَثَ بَعْثَ مُؤْتَةَ فَوَلاَّهُ زيد بن حارثة، وقال:«فَإِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ فَابْنُ رَوَاحَةَ»، وبعث ابن أنيس سرية وحده، وبعث أمراء سراياه وكلهم حاكم فيما بعثه فيه، لأن عليهم أن يدعوا من لم تبلغه الدعوة، ويقاتلوا من حَلَّ قتاله، وكذلك كل والٍ بعثه أو صاحب سرية، ولم يزل يمكنه أن يبعث واليين وثلاثة وأربعة وأكثر.
١٣ - وبعث في دهر واحد اثني عشر رسولاً إلى اثني عشر مَلَكًا، يدعوهم إلى الإسلام، ولم يبعثهم إلا إلى من قد بلغته الدعوة، وقامت عليه الحُجَّةُ فيها، وألاَّ يكتب فيها دلالات لمن بعثهم إليه على أنها كتبه، وقد تَحَرَّى فيهم ما تَحَرَّى في أمرائه من أن يكونوا معروفين، فبعث دحية إلى الناحية التي هو فيها معروف، ولو أن المبعوث إليه جهل الرسول كان عليه طلب علم أن النَّبِيَّ بعثه ليستبرىء شكه في خبر الرسول، وكان على الرسول الوقوف حتى يستبرئه المبعوث إليه.
١٤ - ولم تزل كتب رسول الله تنفذ إلى وُلاَّتِهِ بالأمر والنهي، ولم يكن لأحد من وُلاَّتِهِ ترك إنفاذ أمره، ولم يكن ليبعث رسولاً إلا صادقاً عند من بعثه إليه وإذا طلب المبعوث إليه علم صدقه وجده حيث هو، ولو شك في كتابه بتغيير في الكتاب، أو حال تدل على تهمة، من غفلة رسولٍ حمل الكتاب، كان عليه أن يطلب علم ما شك فيه حتى ينفذ ما يثبت عنده من أمر رسول الله.