١٥ - وهكذا كانت كُتُبُ خلفائه بعده وَعُمَّالِهِمْ، وما أجمع المُسْلِمُونَ عليه من أن يكون الخليفة واحداً، والقاضي واحداً، والأمير واحداً، والإمام واحداً، فاستخلفوا أبا بكر، ثم استخلف أَبُو بَكْرٌ عُمَرَ، ثُمَّ عُمَرُ أَهْلَ الشُّورَى ليختاروا واحداً فاختار عَبْدُ الرَّحْمَنُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ.
١٦ - قال: والولاة من القضاة وغيرهم يقضون فَتُنَفَّذَ أَحْكَامُهُمْ، ويقيمون الحدود، وَيُنَفِّذُ مَنْ بَعْدَهُمْ أَحْكَامُهُمْ، وأحكامهم إخبار عنهم.
ففيما وصفت من سُنَّةِ رسول الله ثم ما أجمع عليه المُسْلِمُونَ منه دلالة على فرق بين الشهادة والخبر والحكم، أَلاَ ترى أن قضاء القاضي على الرجل للرجل، إنما هو خبر يخبر به عن بينة تثبت عنده، أو إقرار من خصم به أقر عنده، وأنفذ الحُكْمَ فيه، فلما كان يلزمه بخبره أن ينفذه بعلمه كان في معنى المُخْبِرِ بحلال وحرام، قد لزمه أن يُحِلَّهُ ويُحَرِّمَهُ بما شهد منه، ولو كان القاضي المخبر عن شهود شهدوا عنده على رجل لم يحاكم إليه، أو إقرار من خصم، لا يلزمه أن يحكم به لمعنى أن لم يخاصم إليه، أو أنه مِمَّنْ يخاصم إلى غيره، فحكم بينه وبين خصمه ما يلزم شاهداً يشهد على رجل أن يأخذ منه ما شهد به عليه لمن شهد له به، كان في معنى شاهد عند غيره فلم يقبل - قاضياً كان أو غيره - إلا بشاهد معه، كما لو شهد عند غيره لم يقبله إلا بشاهد وطلب معه غيره، ولم يكن لغيره إذا كان شاهداً أن ينفذ شهادته وحده.
١٧ - أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي التي تليها بعشر، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تلي الخنصر بتسع، وفي الخنصر بست. قال الشافعي: «لما كان معروفاً - والله أعلم - عند عمر " أَنَّ النَّبِيَّ قَضَى فِي اليَدِ بِخَمْسِينَ "، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع، نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف، فهذا قياس على الخبر، فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله قال:«وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ» صاروا إليه، ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله.