للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث دلالتان: إحداهما قبول الخبر، والأخرى أن يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا، ودلالة على أنه لو مَضَى أيضاًً عمل من أحد من الأئمة، ثم وجد خبراً عَنْ النَّبِيِّ يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله، ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده، ولم يقل المُسْلِمُونَ: قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار، ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفهم، ولو بلغ عمر هذا صار إليه، إن شاء الله، كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله، بتقواه لله وتأدية الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله، وعلمه، وبأن ليس لأحد مع رسول الله أمر، وأن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله.

فإن قال قائل: «فَدُلَّنِي عَلَى أَنَّ عُمَرَ عَمَلَ شَيْئًا ثم صار إلى غيره بخبر عن رسول الله؟».

قلت: «فإن أوجدتكه؟».

قال: «ففي إيجادك إياي ذلك دليل على أمرين، أحدهما: أنه قد يقول من جهة الرأي إذا لم توجد سُنَّةٌ، والآخر: أَنَّ السُنَّةَ إذا وجب عليه ترك عمل نفسه، ووجب على الناس ترك كل عمل وجدت السُنَّةُ بخلافه، وإبطال أن السُنَّةَ لا تثبت إلا بخبر بعدها، وعلم أنه لا يوهنها شيء إن خالفها».

١٨ - قُلْتُ: «أخبرنا سفيان عن الزُّهْرِيِّ عن سعيد بن المسيب، أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: «الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقد فسرت هذا الحديث قبل هذا الموضع (يشير إلى كلامه قبل) (١).


(١) " الأم ": ٦/ ٧٧.