للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَوََّهَ بفضلهم في الهجرة والنصر، فليس من الجائز ولا المعقول ولا اللائق بكرامة دين الله ورسوله أن ينقلب هؤلاء الأصحاب بعد وفاة الرسول إلى الحالة التي تُصَوِّرُهُمْ بها مصادر الشِيعَةِ، ولو أنك قرأت وسمعت ما يكتبونه ويقولونه في مجالسهم في حق هؤلاء الأصحاب، لقلت: إنهم أشبه ما يكونون بعصابة من اللصوص وَقُطَّاعِ الطُرُقِ، لا دين لديهم ولا ضمائر عندهم تَرْدَعُهُمْ عن الكذب والتآمر والتهالك على الدنيا وحيازة أموالها ولذائذها: (لشدَّ ما تحلَّبا شطريها) (١)، مع أن الثابت الصحيح من تاريخهم أنهم كانوا أتقى للهِ وأكرم في السيرة من كل جيل عرفته الإنسانية في القديم والحديث، ومع أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا على أيديهم وبجهادهم ومفارقتهم الأهل والبلد في سبيل الله والحق الذي آمنوا به.

ومن الواضح أن السبب الذي بدأت به الفرقة، وهو النزاع حول الأحق بالخلافة ورئاسة الدولة، لم يعد موجوداً في عصرنا هذا، بل منذ عصور كثيرة، فقد أصبحنا جميعاً تحت سلطة المستعمرين، فلم يبق لنا ملك نتقاتل عليه، ولا خلافة نختلف من أجلها، وذلك مِمَّا يقتضي جمع الشمل وتقريب وجهات النظر، وتوحيد كلمة المُسْلِمِينَ على أمر سواء، وإعادة النظر في كل ما خلفته تلك المعارك من أحاديث مكذوبة على صحابة رسول الله وأصفيائه، وَحَمَلَةِ عرشه وحاملي لوائه.

وقد بدأ علماء الفريقين في الحاضر يستجيبون إلى رغبة جماهير المُسْلِمِينَ في التقارب، ودعوة مُفَكِّرِيهِمْ إلى التصافي، وأخذ علماء السُنّةِ بالتقارب عَمَلِيًّا، فاتجهوا إلى دراسة فقه الشِيعَةِ ومقارنته بالمذاهب المعتبرة عند الجمهور، وقد أدخلت هذه الدراسة المقارنة في مناهج الدراسة في الكليات وفي كتب المؤلفين في الفقه الإسلامي، وإنني شخصياً - منذ بدأت التدريس في الجامعة - أسير على هذا النهج في دروسي ومؤلفاتي.


(١) كلمة نسبها صاحب " نهج البلاغة " إلى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في حق أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.