للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعتزلة قوم فتنتهم الفلسفة اليونانية والمنطق اليوناني، وما نقل من الفلسفة الهندية والأدب الفارسي. وقد كانوا كلهم أو جمهورهم مِمَّنْ يَمُتُّونَ إلى أصل فارسي فَأَوَّلُوا القرآن لينسجم مع الفلسفة اليونانية، وَكَذَّبُوا الأحاديث التي لا تتفق مع هذه العقلية اليونانية الوثنية، واعتبروا فلاسفة اليونان أنبياء العقل الذي لا خطأ معه، هؤلاء هم الذين قامت المعركة الفكرية بينهم وبين جمهور علماء المُسْلِمِينَ. وَهُمْ الذين يُسَمِّيهِمْ «أَبُو رَيَّةَ» بالعلماء وأصحاب العقول الصريحة، في مقابلة أئمة الحديث وفقهاء الإسلام كمالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن المُسَيَّبِ وغيرهم!

ومن المعلوم أن أصحاب العقول الراجحة عند «أَبِي رَيَّةَ» الذين اسْتَغَلُّوا سلطة الدولة وحملوا الخلفاء على التنكيل بأئمة المُسْلِمِينَ وتعذيبهم وسجنهم بضعة عشر عَامًا، واستقاء «أَبِي رَيَّةَ» من آراء هؤلاء واضح في كل ما نقله عن ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " ومن يرجع إلى ما كتبه ابن قتيبة في كتابه هذا، يجد أن ما نقله أَبُو رَيَّةَ عن ابن قتيبة إنما هو كلام أئمة الاعتزال ضد الصحابة وَالمُحَدِّثِينَ، نقله ابن قتيبة عنهم ثم رَدَّ عليهم بما هو موضوع كتابه كله!! ولكن «أَبَا رَيَّةَ» نسب أقوالهم إلى ابن قتيبة، وهكذا يكون «التحقيق العلمي» و «الأمانة العلمية»!.

- ٥ -

وأما اعتماده على مصادر الشِيعَةِ، فأحب أن أمهد لذلك بكلمة صريحة قبل مؤاخذته على الاعتماد على مصادرهم، نحن نقرأ بالألم الممزوج بالحسرة ما كان من الفتن الدموية بين عَلِيٍّ ومعاوية حول الخلافة، ثم ما جرت وراءها من ذيول لا نزال نلمس آثارها حتى اليوم، وأنا لا أشك في أن أعداء الله واليهود، وكثيرا من الأعاجم الذين استولى الإسلام على بلادهم، كان لهم أثر كبير في إيقاد نار تلك الفتن، ثم في توسيع شقة الخلاف بين المُسْلِمِينَ بالكيد والدسائس واختلاق الأكاذيب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديث ينسبونها إليه، وأعتقد أن جمهور المُسْلِمِينَ - وَهُمْ أَهْلُ السُنَّةِ - كانوا أكثر إنصافاً وتأدباً مع صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم الذين أثنى الله عليهم في كتابه ورضي عنهم