الحمصي، وهو مشهور بما وصفه به ابن المبارك ويؤكد هذا ما رواه مسلم بعد ذلك بقليل عن أبي إسحاق الفزاري: «عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ: «اكْتُبْ عَنْ " بَقِيَّةَ "، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ»، ويؤيده أيضاًً ما نقله الذهبي عن ابن المبارك نفسه أنه كان يقول في " بقية ": «إِنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ قَوْمٍ ضُعَفَاءَ وَيَرْوِي عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ»، وهذا معنى قوله الذي رواه مسلم عنه:«عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ».
فَتَبَيَّنَ لنا مِمَّا تقدم أن المؤلف أخطأ في عبارة مسلم خطأين:
الأول - أن الكلام لغير ابن المبارك في عبد الله بن المبارك، مع أنه كلام عبد الله بن المبارك في غيره.
الثاني - أنه نقل اللفظ «ثِقَةٌ» وهي في " صحيح مسلم "«بَقِيَّةٌ» والمؤلف بين ثلاثة أمور لا رابع لها: إما أن يكون ذكر هذا في كتابه بعد أن قرأ العبارة بنفسه في " صحيح مسلم "، ولكنه لم يفهمها فوقع في تلك الأخطاء، وإما أن يكون فهمها ولكنه تَعَمَّدَ تحريفها لغاية في نفسه، وإما أنه رآها لبعض المُسْتَشْرِقِينَ الذي نقلها نَقْلاً مَمْسُوخًا من " صحيح مسلم "، فاكتفى بنقله عن خصوم الشريعة المحمدية دُونَ أن يرجع بنفسه إلى أصل النص في " مسلم "، وأنا أُرَجِّحُ هذا الأخير، إذ من البعيد على المؤلف أَلاَّ يفهم هذا النص مع وضوحه وجلائه، ومن البعيد عليه أيضاًَ أن يَتَعَمَّدَ مثل هذا التحريف في نص كتاب مشهور لا يخلو منه بيت عالم مسلم، وقد رجعت إلى النسخ المطبوعة عن " صحيح مسلم " لَعَلِّي أجد إحدى النسخ ذكَرَتْ العبارةَ خطأ كما نقلها المؤلف، فيكون له بعض العذر وإن كان سياق الكلام يفسده كما تقدم، ولكني رأيت النُّسَخَ المطبوعة كلها ذكرت النص صحيحاً من غير تحريف، فَتَرَجَّحَ عندي أن أحد أعداء الإسلام وقع في هذا التحريف، إما عَمْدًا لتشويه سيرة إمام كبير من أئمة الحديث - كما فعل جولدتسيهر مع الزُّهْرِي - وإما خطأً بحيث اشتبه عليه الأمر بين " بقية " و" ثقة " لقرب تشابههما في الرسم. وإذا كنا نجد للمستشرقين عُذْراً في ذلك لعجمته، أو عدم وفائه للإسلام، أو فقده الذوق العربي الذي يُدْرِكُ بسياق الكلام صحة الكلمة ومعناها، فأي عذر للمؤلف في متابعته على هذا التحريف لا سيما وقد