قتادة:«لاَ يَزَالُ فِي النَّاسِ عِلْمٌ مَا عَاشَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ»، وقال النسائي:«لَيْسَ بِالقَوِيِّ»، وقال سفيان:«مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَتَّهِمُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، وقال الدارقطني: «لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَبِأَبِيهِ»، وقال مالك:«أَشْهَدُ أَنَّهُ كَذَّابٌ ... ».
والكلام هنا في موضعين:
الأول: - في قواعد الجرح والتعديل.
والثاني: - في عبارة الذهبي، والآراء في محمد بن إسحاق.
أما الموضع الأول، فقد أجمل المؤلف الكلام هنا عن قواعد الجرح والتعديل كما أجمل الكلام عن أثر االاختلاف المذهبي وأوهم ظاهر قوله:«وَنَشَأَ عَنْ هَذَا أَنَّ مَنْ يُعَدِّلُهُ ... إلخ»، أن منشأ الاختلاف في التجريح والتعديل هو الاختلاف المذهبي. وتفصيل الكلام أن الاختلاف في التجريح والتعديل، إما أن يكون فيما بين أَهْلَ السُنَّةِ بعضهم مع بعض، أو بين أهل السُنَّة وبين من خالفهم من الفرق الأخرى.
أما الاختلاف فيما بين أَهْلَ السُنَّةِ، فمنشؤه تباين الأنظار في صدق الراوي وكذبه، وعدالته وفسقه، وحفظه ونسيانه.
وأما الاختلاف بين أَهْلَ السُنَّةِ وغيرهم فليس ناشئاً عن تباين المذاهب بل إن أهل السُنَّة كما قدمناه - في بحث الجرح والتعديل - لا يُجَرِّحُونَ مخالفهم إلا إذا كانت بدعته تؤدي إلى كفر، أو وقوع في صحابة رسول الله، أو كان داعية إلى بدعته، أو لم يكن داعية ولكن حديثه موافق لما يدعو إليه، ويرون في ذلك كله ما يشكك في صدقه وأمانته، فالخلاف في التجريح بين أهل السُنَّة وغيرهم راجع في الحقيقة إلى الشك بصدق الراوي أو الثقة به لا إلى مجرد الخلاف المذهبي، ولهذا أخرجت كُتُبُ السُنَّة وفي مقدمتها " الصحيحان " لجماعة من المبتدعة الذين دَلَّ تاريخهم على أنهم لا يكذبون، كعِمران بن حطان الخارجي، وأبان بن تغلب الشيعي، قال الحافظ الذهبي - رَحِمَهُ اللهُ - في ترجمة أبان بن تغلب:«شِيعِيٌّ جَلِدٌ، فَلَنَا صِدْقُهُ، وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ».