١ - أما أنهم لم يحققوا فيما نسب إلى النَّبِيّ، هل يتفق والظروف التي قيلت فيه أم لا؟. فقد رأيت عدم صحة هذا الزعم، بل إنهم جعلوا ذلك من أسس نقد المتن، وَمَثَّلْنَا ذلك فيما مضى بحديث الحَمَّامِ، حيث رَدَّهُ العلماء بأن النَّبِيّلم يدخل حَمَّاماً قط، وأن الحجاز في عصر النَّبِيّلم تكن تعرف الحَمَّامَات.
٢ - وأما أن الحوادث التاريخية تُؤَيِّدُهُ أَوْ تُكَذِّبُهُ، فقد رأيت أنهم عَدُّوا ذلك من علائم الوضع أيضاًً، وَمَثَّلُوا لَهُ في رَدِّهِمْ لحديث وضع الجزية على أهل خيبر، فقد رده العلماء بأن الحوادث التاريخية ترده، ورأيت كيف استعملوا التاريخ لكشف كذب الرُوَاةِ في لُقْيَاهُمْ الشيوخ.
٣ - وأما كون الحديث نوعًا من التعبير الفلسفي يخالف المألوف من كلام النَّبِيّ، فإن ذلك داخل تحت بحث «ركاكة اللفظ» وضابطه أن تقطع بأن النَّبِيّلا يقول مثل هذا الكلام، ونقلنا لك قَوْلُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ:«وَكَثِيرًا مَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ - أَيْ بِالْوَضْعِ - بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْوِيِّ [وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُمْ - لِكَثْرَةِ مُحَاوَلَةِ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْئَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَمَلَكَةٌ قَوِيَّةٌ] يَعْرِفُونَ بِهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ» وحيث كانوا كذلك فمن السهل عليهم أن يَرُدُّوا حَدِيثًا فلسفياً لم يكن مألوفاً من النَّبِيّأن يقول مثله، ونحن نتحدى المؤلف أن ينقل لنا حَدِيثًا واحداً صَحَّحَهُ أَئِمَّتُنَا، وكان من هذا النوع.
٤ - وأما أن الحديث أشبه بشروطه وقيوده بمتن الفقه، فقد رأيت كيف اشترطوا ألا يكون المروي موافقاً لمذهب الراوي المتعصب، وقد رَدُّوا أحاديث كثيرة في العقائد، لأنها تؤيد مذاهب الرُوَاةِ، وكذلك رَدُّوا أحاديث في الفقه كثيرة للسبب نفسه، مثل:«الْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقَ لِلْجُنُبِ ثَلاَثًا فَرِيضَةً»، ومثل:«إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتِ الصَّلاَةُ» وأمثال هذه الأحاديث التي حكم عليها العلماء بالوضع كثيرة. انظر " نصب الراية "، و"موضوعات ابن الجوزي " و"اللآلئ المصنوعة " للسيوطي.
٥ - وأما أن الحديث هل ينطبق على الواقع أم لا؟ فقد ذكروا ذلك، كما رأيت، ومن أجله رَدُّوا أحاديث كثيرة منها «لا يُولَدُ بَعْدَ الْمِائَةِ مَوْلُودٌ لِلَّهِ فِيهِ حَاجَةٌ»، لأنه يخالف الواقع المشاهد، فإن أكثر الأئمة وأشهرهم ذكراً مِمَّنْ ولدوا